الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ } * { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } * { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } * { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ }

قوله تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ } أي فأقسم و «لا» صلة. { بِٱلشَّفَقِ } أي بالحمرة التي تكون عند مغيب الشمس حتى تأتي صلاة العشاء الآخرة. قال أشهب وعبد الله بن الحكم ويحيى بن يحيى وغيرهم، كثير عددهم، عن مالك: الشَّفَق الحمرة التي في المغرب، فإذا ذهبت الحمرة فقد خرجتُ من وقت المغرب ووجبتْ صلاة العشاء. وروى ٱبن وهب قال: أخبرني غير واحد عن عليّ بن أبي طالب ومُعاذ بن جبل وعُبادة ابن الصامت وشدّاد بن أوس وأبي هريرة: أن الشفَق الحمرة، وبه قال مالك بن أنس. وذكر غير ٱبن وهب من الصحابة: عمر وٱبن عمر وٱبن مسعود وٱبن عباس وأنَساً وأبا قتادة وجابر بن عبد الله وٱبن الزبير، ومن التابعين: سعيد بن جبير، وٱبن المسيب وطاوس، وعبد الله بن دينار، والزهريّ، وقال به من الفقهاء الأوزاعيّ ومالك والشافعي وأبو يوسف وأبو ثور وأبو عبيد وأحمد وإسحاق. وقيل: هو البياض رُوي ذلك عن ٱبن عباس وأبي هريرة أيضاً وعمر بن عبد العزيز والأوزاعيّ وأبي حنيفة في إحدى الروايتين عنه. وروى أسد بن عمرو أنه رجع عنه. ورُوِي عن ٱبن عمر أيضاً أنه البياض والاختيار الأوّل لأن أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء عليه ولأن شواهد كلام العرب والاشتقاق والسنة تشهد له. قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول لثوب عليه مصبوغ: كأنه الشفق وكان أحمر، فهذا شاهد للحمرة وقال الشاعر:
وأحمر اللون كمحمرّ الشفق   
وقال آخر:
قم يا غلام أعِني غير مرتبكٍ   على الزمانِ بِكأسِ حَشْوُها شَفَقُ
ويقال للمَغْرة الشفق. وفي الصحاح: الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أوّل الليل إلى قريب من العَتَمة. قال الخليل: الشفق: الحمرة، من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة، إذا ذهب قيل: غاب الشفق. ثم قيل: أصل الكلمة من رقة الشيء يقال: شيء شَفِق أي لا تماسك له لرقته. وأشفق عليه: أي رق قلبه عليه، والشفقة: الاسم من الإشفاق، وهو رِقة القلب، وكذلك الشَّفَق قال الشاعر:
تهوَى حَياتِي وأهوى موتها شَفَقاً   والموتُ أَكرم نَزَّالٍ على الحُرَمِ
فالشفَق: بقية ضوء الشمس وحمرتها فكأن تلك الرّقة عن ضوء الشمس. وزعم الحكماء أن البياض لا يغيب أصلاً. وقال الخليل: صعدت منارة الإسكندرية فرمقت البياض، فرأيته يتردّد من أفق إلى أفق ولم أره يغيب. وقال ٱبن أبي أويس: رأيته يتمادى إلى طلوع الفجر قال علماؤنا: فلما لم يتحدد وقته سقط ٱعتباره. وفي سُنَن أبي داود عن النعمان بن بَشير قال: أنا أعلمكم بوقت صلاة العشاء الآخرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة. وهذا تحديد، ثم الحكم معلق بأوّل الاسم. لا يقال: فينقض عليكم بالفجر الأوّل، فإنا نقول الفجر الأوّل لا يتعلق به حكم من صلاة ولا إمساك لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين الفجر بقوله وفعله فقال:

السابقالتالي
2 3 4 5