الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ } * { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ }

فيه أربع مسائل: الأولى ـ روَى النَّسائي عن ٱبن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا، فأنزل الله تعالى: { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } ، فأحسنوا الكيل بعد ذلك. قال الفراء: فهم من أوفى الناس كيلا إلى يومهم هذا. وعن ٱبن عباس أيضاً قال: هي: أوّل سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة نزل المدينة، وكان هذا فيهم كانوا إذا ٱشتَروا ٱستوْفَوا بكيل راجح، فإذا باعوا بَخَسوا المكيال والميزان، فلما نزلت هذه السورة ٱنتهوا، فهم أوفى الناس كيلا إلى يومهم هذا. وقال قوم: نزلت في رجل يعرف بأبي جهينة، وٱسمه عمرو كان له صاعان يأخذ بأحدهما، ويعطي بالآخر قاله أبو هريرة رضي الله عنه. الثانية ـ قوله تعالى: { وَيْلٌ } أي شدة عذاب في الآخرة. وقال ٱبن عباس: إنه وادٍ في جهنم يسيل فيه صَديد أهل النار، فهو قول تعالى: { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } أي الذين يَنْقصون مكاييلهم وموازينهم. ورُوِي عن ٱبن عمر قال: المطفِّف: الرجل يستأجر المكيال وهو يعلم أنه يَحِيف في كيله فوزره عليه. وقال آخرون: التطفيف في الكيل والوزن والوضوء والصلاة والحديث. وفي الموطّأ قال مالك: ويقال لكل شيء وفاءٌ وتطفيف. وروي عن سالم بن أبي الجعْد قال: الصلاة بمكيال، فمن أوفَى له ومن طَفَّف فقد علمتم ما قال الله عز وجل في ذلك: «ويل للِمطففِين». الثالثة ـ قال أهل اللغة: المطفِّف مأخوذ من الطَّفِيف، وهو القليل، والمطفِّف هو المقِلّ حق صاحبه بنقصانه عن الحق، في كيل أو وزن. وقال الزجاج: إنما قيل للفاعل من هذا مطفِّف لأنه لا يكاد يسرق من المكيال والميزان إلا الشيء الطفيف الخفيف، وإنما أخذ من طَفِّ الشيءِ وهو جانبه. وطِفاف المَكُّوك وطَفافه بالكسر والفتح: ما ملأ أصباره، وكذلك طَفُّ المَكُّوكِ وطَففُه وفي الحديث: " كلكم بنو آدم طَفَّ الصاعِ لم تملئوه " وهو أن يقرب أن يمتلىء فلا يفعل والمعنى بعضُكم من بعض قريب، فليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى. والطُّفاف والطُّفافة بالضم: ما فوق المكيالِ. وإناء طُفاف: إذا بلغ المِلء طفافه تقول منه: أطفَفْت. والتطفيف: نقص المِكيال وهو ألا تملأه إلى أصباره، أي جوانبه يقال: أدهقت الكأس إلى أصبارها أي إلى رأسها. وقول ٱبن عمر حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم سَبْق الخيل: كنت فارساً يومئذ فسبقت الناس حتى طَفَّف بي الفَرَس مسجدَ بني زُرَيق، حتى كاد يساوي المسجد. يعني: وثب بي. الرابعة ـ المطفِّف: هو الذي يُخْسر في الكيل والوزن، ولا يوفي حَسْب ما بيناه وروي ٱبن القاسم عن مالك: أنه قرأ { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } فقال: لا تُطَفِّفْ ولا تَخْلُب، ولكن أرسلْ وصُبّ عليه صَبّاً، حتى إذا ٱستوفى أرسل يدك ولا تُمْسِك.

السابقالتالي
2 3