الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } * { وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ } * { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } * { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } * { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } أي رأى جبريل في صورته، له ستمائة جَناح. { بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } أي بمطلع الشمس من قِبل المَشْرق لأن هذا الأفق إذا كان منه تطلع الشمس فهو مُبين. أي من جهته تُرَى الأشياء. وقيل: الأفق المبين: أقطار السماء ونواحيها قال الشاعر:
أَخَذْنا بِآفاقِ السماءِ عليكُمُ   لنا قَمراها والنجومُ الطوالِعُ
الماورديّ: فعلى هذا، فيه ثلاثة أقاويل أحدها: أنه رآه في أفق السماء الشرقيّ قاله سفيان. الثاني: في أفق السماء الغربيّ، حكاه ٱبن شجرة. الثالث: أنه رآه نحو أجياد، وهو مَشْرق مكة قاله مجاهد. وحكى الثعلبيّ عن ٱبن عباس، " قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: «إني أحبُّ أن أراك في صورتك التي تكون فيها في السماء» قال: لن تقدر على ذلك. قال: «بلى» قال: فأين تشاء أن أتخيل لك؟ قال: «بالأبطح» قال: لا يسعُني. قال: «فبِمنًى» قال: لا يسعني. قال: «فبعرفات» قال: ذلك بالحرى أن يسعني. فواعده فخرج النبي صلى الله عليه وسلم للوقت، فإذا هو قد أقبل بخَشْخَشةٍ وكَلْكلةٍ من جبال عَرَفات، قد ملأ ما بين المشرق والمغرب ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم خرّ مغشياً عليه، فتحول جبريل في صورته، وضمه إلى صدره. وقال: يا محمد لا تخف فكيف لو رأيت إسرافيل ورأسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة، وإن العرش على كاهله، وإنه ليتضاءل أحياناً من خشية الله، حتى يصير مثل الوَصَع ـ يعني العصفور ـ حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته " وقيل: إن محمداً عليه السلام رأى ربه عز وجل بالأفق المبين. وهو معنى قول ٱبن مسعود. وقد مضى القول في هذا في «والنجم» مستوفًى، فتأمله هناك. وفي «المبين» قولان: أحدهما أنه صفة الأفق قاله الربيع. الثاني أنه صفة لمن رآه قاله مجاهد. { وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ }: بالظاء، قراءة ٱبن كثير وأبي عمرو والكسائيّ، أي بمتَّهم، والظنة التُّهمَة قال الشاعر:
أما وكِتاب اللَّهِ لا عن شناءةٍ   هُجِرتُ ولكِنّ الظنِينَ ظَنِينُ
وٱختاره أبو عُبيد لأنهم لم يُبَخِّلوه ولكن كذبوه ولأن الأكثر من كلام العرب: ما هو بكذا، ولا يقولون: ما هو على كذا، إنما يقولون: ما أنت على هذا بمتَّهم. وقرأ الباقون «بِضَنِينٍ» بالضاد: أي ببخيل من ضَنِنْت بالشيء أضنّ ضِنًّا فهو ضنِين. فروى ٱبن أبي نجيح عن مجاهد قال: لا يضنّ عليكم بما يعلم، بل يُعَلِّم الخَلْقَ كلام الله وأحكامه. وقال الشاعر:
أَجود بِمكنونِ الحديثِ وإننِي   بِسِرِّكِ عمن سالنِي لضَنِينُ
والغَيْب: القرآن وخبر السماء. ثم هذا صفة محمد عليه السلام. وقيل: صفة جبريل عليه السلام.

السابقالتالي
2