الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } * { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } * { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } * { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } * { مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } * { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ }

قوله تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ } أي أقسم، و «لا» زائدة، كما تقدّم. { بِٱلْخُنَّسِ * ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } هي الكواكب الخمسة الدَّراريّ: زُحَل والمُشترِي وعُطارِد والمِرّيخُ والزُّهَرة، فيما ذكر أهل التفسير. والله أعلم. وهو مَرويّ عن عليّ كرم الله وجهه. وفي تخصيصها بالذكر من بين سائر النجوم وجهان: أحدهما ـ لأنها تَستقبل الشمس قاله بكر بن عبد الله المُزَني. الثاني ـ لأنها تقطع المجرّة قاله ٱبن عباس. وقال الحسن وقتادة: هي النجوم التي تخنس بالنهار وإذا غربت، وقاله عليّ رضي الله عنه، قال: هي النجوم تخنِس بالنهار، وتظهر بالليل وتكنِس في وقت غروبها أي تتأخر عن البَصر لخفائها، فلا تُرَى. وفي الصحاح: و «الخُنَّس»: الكواكب كلها. لأنها تخنِس في المغيب، أو لأنها تخنِس نهاراً. ويقال: هي الكواكب السيارة منها دون الثابتة. وقال الفراء في قوله تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ * ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ }: إنها النجوم الخمسة زُحل والمشترِي والمِرّيخ والزُّهَرة وعطارد لأنها تَخنِس في مجراها، وتَكْنِس، أي تستتر كما تكنِس الظباء في المغار، وهو الكناس. ويقال: سميت خُنَّسا لتأخرها، لأنها الكواكب المتحيرة التي ترجع وتستقيم، يقال: خَنَس عنه يَخْنُس بالضم خنوساً: تأخر، وأخنسه غيره: إذا خلَّفه ومضى عنه. والخَنَس تأخر الأنف عن الوجه مع ٱرتفاع قليل في الأرنبة، والرجل أخنس، والمرأة خنساء، والبقر كلها خُنْس. وقد روي عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } هي بقر الوحش. روي هُشَيم عن زكريا عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شُرَحبيل قال قال لي عبد الله ابن مسعود: إنكم قوم عرب فما الخنس؟ قلت: هي بقر الوحش قال: وأنا أرى ذلك. وقاله إبراهيم وجابر بن عبد الله. وروي عن ٱبن عباس: إنما أقسم الله ببقر الوحش. وروي عنه عِكرمة قال: «الخُنَّس»: البقر و «الكنَّس»: هي الظباء، فهي خُنَّس إذا رأين الإنسان خَنَسْنَ وٱنقبضن وتأخرن ودخلن كِناسهنّ. القشيريّ: وقيل على هذا «الخُنَّس» من الخَنَس في الأنف، وهو تأخُر الأرنبة وقصر القَصَبة، وأنوف البقر والظباء خنس. والأصح الحمل على النجوم، لذكر الليل والصبح بعد هذا، فذكر النجوم أليق بذلك. قلت: لله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته من حيوان وجماد، وإن لم يعلم وجه الحكمة في ذلك. وقد جاء عن ٱبن مسعود وجابر بن عبد الله وهما صحابيان والنخعي أنها بقر الوحش. وعن ٱبن عباس وسعيد بن جُبير أنها الظباء. وعن الحجاج بن منذر قال: سألت جابر بن زيد عن الجواري الكُنَّس، فقال: الظباء والبقر، فلا يبعد أن يكون المراد النجوم. وقد قيل: إنها الملائكة حكاه الماورديّ. والكُنَّس الغُيَّب مأخوذة من الكِناس، وهو كِناس الوحش الذي يختفي فيه.

السابقالتالي
2 3