الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ } * { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } * { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } * { بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } * { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } * { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } * { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ }

قوله تعالى: { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } قال ٱبن عباس: تكويرها: إدخالها في العرش. والحسن: ذهاب ضوئها. وقاله قتادة ومجاهد: وروي عن ٱبن عباس أيضاً. سعيد بن جُبير: عُوِّرَتْ. أبو عبيدة: كورت مثل تكوير العمامة، تلف فتمحي. وقال الربيع بن خيثم: «كورت» رمُيِ بها ومنه: كوّرته فتكوّر، أي سقط. قلت: وأصل التكوير: الجمع، مأخوذ من كار العمامة على رأسه يكورها أي لاثها وجمعها فهي تُكَوَّر ويمحي ضوءها، ثم يُرمْى بها في البحر. والله أعلم. وعن أبي صالح: كوّرت: نكِّستْ. { وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ } أي تهافتت وتناثرت. وقال أبو عبيدة: ٱنصبَّت كما تنصَبّ العُقاب إذا ٱنكسرت. قال العجّاج يصف صقراً:
أَبصرَ خِربان فضاء فانكدر   تقضِّيَ البازِي إذا البازِي كَسَر
وروَى أبو صالح عن ٱبن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يَبقى في السماء يومئذ نجم إلا سقط في الأرض، حتى يفزَع أهل الأرض السابعة مما لَقِيت وأصاب العليا " ، يعني الأرض. وروى الضحاك عن ٱبن عباس قال: تساقطت وذلك أنها قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من نور، وتلك السلاسل بأيدي ملائكة من نور، فإذا جاءت النفخة الأولى مات من في الأرض ومن في السموات، فتناثرت تلك الكواكب وتساقطت السلاسل من أيدي الملائكة لأنه مات من كان يمسكها. ويحتمل أن يكون ٱنكدارها طَمْس آثارها. وسميت النجوم نجوماً لظهورها في السماء بضوئها. وعن ٱبن عباس أيضاً: ٱنكدرت تغيرت فلم يبق لها ضوء لزوالها عن أماكنها. والمعنى متقارب. { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } يعني قُلِعت من الأرض، وسيرت في الهواء وهو مثل قوله تعالى:وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } [الكهف: 47]. وقيل سيرُها تحوّلها عن منزلة الحجارة، فتكون كثيباً مَهِيلا، أي رملاً سائلاً، وتكون كالعِهن، وتكون هباء منثوراً، وتكون سَراباً، مثل السراب الذي ليس بشيء. وعادت الأرض قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أَمتا. وقد تقدم في غير موضع والحمد لله. { وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ } أي النوق الحوامل التي في بطونها أولادها الواحدة عُشَراء، أو التي أتى عليها في الحمل عشرة أشهر، ثم لا يزال ذلك ٱسمها حتى تضع، وبعد ما تضع أيضاً. ومن عادة العرب أن يسمُّوا الشيء باسمه المتقدّم وإن كان قد جاوز ذلك يقول الرجل لفرسه وقد قَرِح: هاتوا مُهْري، يسميه بمتقدّم ٱسمه قال عنترة:
لا تذكرِي مُهْرِي وما أطمعتُه   فيكونَ جِلدُكِ مثلَ جِلدِ الأَجرب
وقال أيضاً:
وحَمَلْتُ مُهرِي وسْطَها فمضاها   
وإنما خص العِشار بالذكر، لأنها أعز ما تكون على العرب، وليس يُعَطلها أهلها إلا حال القيامة. وهذا على وجه المثل لأن في القيامة لا تكون ناقة عُشَرَاءَ، ولكن أراد به المثل أن هول يوم القيامة بحال لو كان للرجل ناقة عُشَراءُ لعطَّلها وٱشتغل بنفسه، وقيل: إنهم إذا قاموا من قبورهم، وشاهد بعضهم بعضاً، ورأوا الوُحوش والدوابّ محشورة، وفيها عِشارهم التي كانت أنفس أموالهم، لم يعبئوا بها، ولم يهمَّهم أمرُها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6