الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } * { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } * { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } * { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } * { وَعِنَباً وَقَضْباً } * { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً } * { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } * { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } * { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }

قوله تعالى: { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } لما ذكر جل ثناؤه ٱبتداء خلق الإنسان، ذكر ما يُسَّر من رزقه أي فلينظر كيف خَلَق الله طعامه. وهذا النظر نظر القلب بالفكر أي ليتدبرْ كيف خَلَق الله طعامَه الذي هو قِوام حياته، وكيف هيأ له أسباب المعاش، ليستعد بها للمعاد. ورُوِي عن الحسن ومجاهد قالا: { فَلينْظرِ الإنسان إِلى طعامِهِ } أي إلى مُدْخله ومُخْرجه. وروى ٱبن أبي خيْثمة " عن الضحاك بن سفيان الكلابيّ قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «يا ضحاكُ ما طعامك» قلت: يا رسول الله! اللَّحم واللبن قال: «ثم يصير إلى ماذا» قلت إلى ما قد علمته قال: «فإنّ الله ضرب ما يخرج من ٱبن آدم مثلاً للدنيا» " وقال أبيّ بن كعب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن مَطْعَمَ ٱبن آدم جُعِل مثلاً للدنيا وإن قَزَحَه ومَلَّحه فٱنظر إلى ما يصير " وقال أبو الوليد: سألت ٱبن عَمر عن الرجل يدخل الخَلاء فينظر ما يخرج منه قال: يأتيه الملك فيقول ٱنظر ما بَخِلت به إلى ما صار؟ قوله تعالى: { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } قراءة العامة «إِنا» بالكسر، على الاستئناف. وقرأ الكوفيون ورُوَيْس عن يعقوب «أَنا» بفتح الهمزة، فـ «ـأنا» في موضع خفض على الترجمة عن الطعام، فهو بدل منه كأنه قال: «فلينظرِ الإِنسان إِلى طعامِهِ» إلى «أنا صببنا»، فلا يحسُن الوقف على «طعامِهِ» من هذه القراءة. وكذلك إن رفعت «أَنا» بإضمار هو أنا صببنا لأنها في حال رفعها مترجِمة عن الطعام. وقيل: المعنى: لأنا صببنا الماء، فأخرجنا به الطعام، أي كذلك كان. وقرأ الحسين بن عليّ «أَنَّى» ممال، بمعنى كيف؟ فمن أخذ بهذه القراءة قال: الوقف على «طعامه» تام. ويقال: معنى «أنَّى» أين، إلا أنّ فيها كناية عن الوجوه وتأويلها: من أي وجه صَببنا الماء قال الكميت:
أَنَّى ومِنْ أينَ آبكَ الطَّرَبُ   مِن حيثُ لا صَبْوةٌ ولا رِيبُ
«صببنا الماء صباً»: يعني الغيث والأمطار. { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً }: أي بالنبات { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } أي قمحاً وشعيراً وسُلْتاً وسائر ما يُحْصَد ويدّخر { وَعِنَباً وَقَضْباً } وهو القَتّ والَعلَف عن الحسن: سمي بذلك لأنه يُقْضَب أي يقطع بعد ظهوره مرة بعد مرة. قال القُتَبيّ وثعلب: وأهل مكة يسمون القَتَّ القَضْب. وقال ٱبن عباس: هو الرّطب لأنه يُقَضب من النخل: ولأنه ذكر العِنب قبله. وعنه أيضاً: أنه الفِصفِصة وهو القَتّ الرطب. وقال الخليل: القضب الفِصْفِصة الرطبة. وقيل: بالسين، فإذا يبست فهو قَتٌّ. قال: والقضْب: ٱسم يقع على ما يُقْضب من أغصان الشجرة، ليتخذ منها سِهام أو قِسِيّ. ويقال: قَضْباً، يعني جميع ما يقضب، مثل القَتِّ والكُرَّاث وسائر البقول التي تقطع فينبت أصْلها.

السابقالتالي
2