الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } * { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } * { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ } * { مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ } * { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } * { كِرَامٍ بَرَرَةٍ }

قوله تعالى: { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } «كلاَّ» كلمة ردع وزجر أي ما الأمرُ كما تفعل مع الفريقين أي لا تفعل بعدها مثلها: من إقبالك على الغنِيّ، وإعراضك عن المؤمن الفقير. والذي جرى من النبيّ صلى الله عليه وسلم كان تركَ الأولَى كما تقدّم، ولو حُمِل على صغيرة لم يبعد قاله القُشيري. والوقف على «كَلاّ» على هذا الوجه: جائز. ويجوز أن تقف على «تَلَهَّى» ثم تبتدىء «كَلاّ» على معنى حَقّاً. { إِنَّهَا } أي السورة أو آيات القرآن { تَذْكِرَةٌ } أي موعظة وتبصرة للخلق { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } أي ٱتعظ بالقرآن. قال الجُرجاني: «إِنها» أي القرآن، والقرآن مذكر إلا أنه لما جعل القرآن تذكرة، أخرجه على لفظ التذكرة، ولو ذَكّره لجاز كما قال تعالى في موضع آخر: { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } ويدل على أنه أراد القرآن قوله: { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } أي كان حافظاً له غير ناس وذكَّر الضمير، لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ. وروي الضحاك عن ٱبن عباس في قوله تعالى: { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } قال من شاء اللَّهُ تبارك وتعالى ألهمه. ثم أخبر عن جلالته فقال: { فَي صُحُفٍ } جمع صحيفة { مُّكَرَّمَةٍ } أي عند الله قاله السُّدِّي. الطبريّ: «مُكَرَّمةٍ» في الدين لما فيها من العلم والحِكَم. وقيل: «مُكَرمةٍ» لأنها نزل بها كرام الحفظة، أو لأنها نازلة من اللوح المحفوظ. وقيل: «مكرمة» لأنها نزلت من كريم لأن كرامة الكتاب من كرامة صاحبه. وقيل: المراد كُتُب الأنبياء دليله:إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } [الأعلى: 18-19]. { مَّرْفُوعَةٍ } رفيعة القدر عند الله. وقيل: مرفوعة عنده تبارك وتعالى. وقيل: مرفوعة في السماء السابعة، قاله يحيى بن سلام. الطبريّ: مرفوعة الذكر والقدر. وقيل: مرفوعة عن الشُّبَه والتناقض. { مُّطَهَّرَةٍ } قال الحسن: من كل دنس. وقيل: مصانة عن أن ينالها الكفار. وهو معنى قول السُّدّيّ. وعن الحسن أيضاً: مطهّرة من أن تنزل على المشركين. وقيل: أَي القرآن أثبت للملائكة في صحف يقرؤونها فهي مكرمة مرفوعة مطهرة. { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } أي الملائكة الذين جعلهم الله سفراء بينه وبين رسله، فهم بررة لم يتدنسوا بمعصية. ورَوى أبو صالح عن ٱبن عباس قال: هي مطهرة تجعل التطهير لمن حملها { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } قال: كَتَبةٍ. وقاله مجاهد أيضاً. وهم الملائكة الكرام الكاتبون لأعمال العباد في الأسفار، التي هي الكتب، واحدهم: سافر كقولك: كاتب وكَتَبة. ويقال: سَفَرْتُ أي كتبتُ، والكتاب: هو السفر، وجمعه أسفار. قال الزجاج: وإنما قيل للكتاب سِفْر، بكسر السين، وللكاتب سافر لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه. يقال: أسفر الصبح: إذا أضاء، وسَفَرتِ المرأة: إذا كشفت النقاب عن وجهها. قال: ومنه سَفَرْت بين القومِ أَسْفِر سفارة: أصلحت بينهم. وقاله الفراء، وأنشد:

السابقالتالي
2