الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } * { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

فيه سبع مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ختم السورة بذكر الموالاة ليعلم كل فريق ولِيَّه الذي يستعين به. وقد تقدّم معنى الهجرة والجهاد لغةً ومعنًى. { وَٱلَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ } معطوف عليه. وهم الأنصار الذين تبوّءوا الدار والإيمان من قبلهم، وَٱنْضَوَى إليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم والمهاجرون. { أُوْلَـٰئِكَ } رفع بالابتداء. { بَعْضُهُمْ } ابتداء ثان { أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } خبره، والجميع خبر «إنّ». قال ٱبن عباس: «أولياء بعض» في الميراث فكانوا يتوارثون بالهجرة، وكان لا يرث من آمن ولم يهاجر من هاجر فنسخ الله ذلك بقوله «وَأُولُوا الأَرْحَامِ» الآية. أخرجه أبو داود. وصار الميراث لذوي الأرحام من المؤمنين. ولا يتوارث أهل ملّتين شيئاً. ثم جاء قوله عليه السلام: " ألحِقوا الفرائض بأهلها " على ما تقدّم بيانه في آية المواريث. وقيل: ليس هنا نسخ، وإنما معناه في النصرة والمعونة كما تقدّم في «النساء». { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ابتداء والخبر { مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ } وقرأ يحيى بن وثَّاب والأعمش وحمزة «من وِلايتهم» بكسر الواو. وقيل هي لغة. وقيل: هي من وليت الشيء يقال: ولِيٌّ بيّن الوَلاية. ووالٍ بيّن الوِلاية. والفتح في هذا أبيَن وأحسن لأنه بمعنى النصرة والنسب. وقد تطلق الوِلاية والوَلاية بمعنى الإمارة. الثانية ـ قوله تعالى: { وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ } يريد إن دعوا هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا من أرض الحرب عونكم بنفير أو مال لاستنقاذهم فأعينوهم، فذلك فرض عليكم فلا تخذلوهم. إلا أن يستنصروكم على قوم كفار بينكم وبينهم ميثاق فلا تنصروهم عليهم، ولا تنقضوا العهد حتى تتم مدّته. ٱبن العربي: إلا أن يكونوا أسراء مستضعفين فإن الولاية معهم قائمة والنصرة لهم واجبة حتى لا تبقى منا عين تطرِف حتى تخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا في ٱستخراجهم حتى لا يبقى لأحد درهم. كذلك قال مالك وجميع العلماء فإنا لله وإنا إليه راجعون، على ما حلّ بالخلق في تركهم إخوانَهم في أسر العدوّ وبأيديهم خزائن الأموال، وفضول الأحوال والقدرة والعدد والقوّة والجَلَد. الزجاج: ويجوز «فعليكم النصر» بالنصب على الإغراء. الثالثة ـ قوله تعالى: { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } قطع الله الولاية بين الكفار والمؤمنين فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض، والكفار بعضهم أولياء بعض، يتناصرون بدينهم ويتعاملون باعتقادهم. قال علماؤنا في الكافرة يكون لها الأخ المسلم: لا يزوّجها، إذ لا ولاية بينهما، ويزوّجها أهل ملّتها. فكما لا يزوّج المسلمةَ إلا مسلم فكذلك الكافرة لا يزوّجها إلا كافر قريب لها، أو أسْقُف، ولو من مسلم إلا أن تكون معتقة فإن عُقد على غير المعتقة فُسخ إن كان لمسلم، ولا يعرض للنّصرانيّ.

السابقالتالي
2 3