الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

فيه ثلاث مسائل: الأولىٰ ـ قوله تعالىٰ: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ } قيل: الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقيل: له وحده. وقال ٱبن عباس رضي الله عنه: الأسرىٰ في هذه الآية عباس وأصحابه. قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: آمنا بما جئت به، ونشهد أنك رسولُ الله، لننصحنّ لك على قومك فنزلت هذه الاْية. وقد تقدّم بطلان هذا من قول مالك. وفي مصنَّف أبي داود عن ٱبن عباس رضي الله عنه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة. وعن ٱبن إسحاق: " بعثت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أسراهم فَفَدىٰ كلّ قوم أسيرهم بما رضوا. وقال العباس: يا رسول الله، إني قد كنت مسلماً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول فالله يجزيك بذلك فأمّا ظاهر أمرك فكان علينا فٱفد نفسك وٱبني أخويك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وحليفك عتبة بن عمرو أخا بني الحارث بن فهر». وقال: ما ذاك عندي يا رسول الله. قال: «فأين المال الذي دفنته أنت وأمّ الفضل فقلتَ لها إن أصبتُ في سفري هذا فهذا المال لبني الفضل وعبد الله وقُثم»؟ فقال: يا رسول الله، إني لأعلم أنك رسول الله، إن هذا لشيء ما علمه غيري وغير أمِّ الفضل، فٱحْسُب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا. ذاك شيء أعطانا الله منك». ففدىٰ نفسه وٱبني أخويه وحليفه، وأنزل الله فيه: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ } الآية " قال ٱبن إسحاق: وكان أكثر الأسارىٰ فداءً العباس بن عبد المطلب لأنه كان رجلاً موسراً، فٱفتدىٰ نفسه بمائة أوقيّة من ذهب وفي البخاري: وقال موسىٰ بن عقبة قال ٱبن شهاب: " حدّثني أنس بن مالك: أن رجالاً من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه. فقال: «لا والله لا تذرون درهماً» " وذكر النقاش وغيره: أن فداء كل واحد من الأسارىٰ كان أربعين أوقية، إلا العباس فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " «أضعفوا الفداء على العباس» وكلّفه أن يفدي ٱبني أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث فأدّىٰ عنهما ثمانين أوقية، وعن نفسه ثمانين أوقية وأخذ منه عشرون أوقية وقت الحرب. وذلك أنه كان أحد العشرة الذين ضَمِنوا الإطعام لأهل بدر، فبلغت النَّوبة إليه يوم بَدْر فاقتتلوا قبل أن يُطعم، وبقيت العشرون معه فأخذت منه وقت الحرب فأخذ منه يومئذ مائة أوقيّة وثمانون أوقية. فقال العباس للنبيّ صلى الله عليه وسلم: لقد تركتني ما حييتُ أسأل قريشاً بكَفِّي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أين الذهب الذي تركته عند امرأتك أمّ الفضل»؟ فقال العباس أيّ ذهب؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك قلتُ لها لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث بي حدث فهو لك ولولدك» فقال: يا ٱبن أخي، من أخبرك بهذا؟ قال: «الله أخبرني» "

السابقالتالي
2 3