الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ }

قيل: أراد من بقي ولم يُقتل يوم بدر. وقيل: هي فيمن قُتل ببدر. وجواب «لو» محذوف، تقديره: لرأيت أمراً عظيماً. { يَضْرِبُونَ } في موضع الحال. { وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } أي أستاههم، كنىٰ عنها بالأدبار قاله مجاهد وسعيد بن جُبير. الحسن: ظهورهم، وقال: " إن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشرَّاك؟ قال: «ذلك ضرب الملائكة» " وقيل: هذا الضرب يكون عند الموت. وقد يكون يوم القيامة حين يصيرون بهم إلى النار. { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } قال الفرّاء: المعنى ويقولون ذوقوا فحذف. وقال الحسن: هذا يوم القيامة، تقول لهم خزنة جهنم: ذوقوا عذاب الحريق. وروي أن في بعض التفاسير أنه كان مع الملائكة مقامعُ من حديد، كلما ضربوا التهبت النار في الجراحات فذلك قوله: { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ }. والذوق يكون محسوساً ومعنىً. وقد يوضع موضع الابتلاء والاختبار تقول: اركب هذا الفرس فذقه. وٱنظر فلاناً فذق ما عنده. قال الشمّاخ يصف فرساً:
فذاق فأعطتهُ من اللِّين جانباً   كفىٰ ولها أن يُغرقَ السهم حاجزُ
وأصله من الذوق بالفم. { ذٰلِكَ } في موضع رفع أي الأمر ذلك. أو «ذلك» جزاؤكم. { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } أي اكتسبتم من الآثام. { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } إذ قد أوضح السبيل وبعث الرسل، فلم خالفتم؟. «وأنّ» في موضع خفض عطف على «ما» وإن شئت نصبت، بمعنىٰ وبأنّ، وحذفت الباء، أو بمعنىٰ: وذلك أن الله. ويجوز أن يكون في موضع رفع نسقاً على ذلك.