قد تقدّم معنى «التقوى». وكان الله عالماً بأنهم يتقون أم لا يتقون. فذكر بلفظ الشرط لأنه خاطب العباد بما يخاطِب بعضهم بعضاً. فإذا ٱتقى العبد ربّه ـ وذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه ـ وتركَ الشبهات مخافة الوقوع في المحرّمات، وشحن قلبه بالنية الخالصة، وجوارحه بالأعمال الصالحة، وتحفّظ من شوائب الشرك الخفِيّ والظاهِر بمراعاة غير الله في الأعمال، والركون إلى الدنيا بالعِفة عن المال، جعل له بين الحق والباطل فرقاناً، ورزقه فيما يريد من الخير إمكاناً. قال ابن وهب: سألت مالكاً عن قوله سبحانه وتعالى: { إَن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } قال: مخرجاً، ثم قرأ{ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } [الطلاق: 2]. وحكى ابن القاسم وأشهب عن مالك مثله سواء، وقاله مجاهد قبله. وقال الشاعر:
مَالكَ من طُول الأسَى فُرقان
بعد قَطينٍ رَحلوا وبَانُوا
وقال آخر:
وكيف أرَجِّي الخلد والموت طالبي
وما لي من كأس المنية فرقانُ
ابن إسحاق: «فُرْقَاناً» فَصْلاً بين الحق والباطل وقاله ابن زيد. السديّ: نجاة. الفرّاء: فتحا ونصراً. وقيل: في الآخرة، فيدخلكم الجنة ويدخل الكفار النار.