الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً } * { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } * { وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً } * { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً } * { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً } * { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ } * { تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } * { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } * { أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } * { يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ } * { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } * { قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } * { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } * { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ }

قوله تعالى: { وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً }: أقسم سبحانه بهذه الأشياء التي ذكرها، على أن القيامة حقٌّ. و «النازعاتِ»: الملائكة التي تنزِع أرواحَ الكفار قاله عليّ رضي الله عنه، وكذا قال ابن مسعود وٱبن عباس ومسروق ومجاهد: هي الملائكة تَنْزِع نفوس بني آدم. قال ٱبن مسعود: يريد أنفسَ الكُفار يَنْزِعها ملك الموت من أجسادهم، من تحت كل شعرة، ومن تحت الأظافير وأصول القدمين نَزْعاً كالسَّفُّود يُنزَع من الصُّوف الرَّطْب، ثم يغرِقها، أي يرجعها في أجسادهم، ثم ينزِعها فهذا عمله بالكفار. وقاله ٱبن عباس. وقال سعيد بن جبير: نُزِعت أرواحهم، ثم غرقت، ثم حُرِقت ثم قُذِف بها في النار. وقيل: يرى الكافر نفسه في وقت النزع كأنها تغرَق. وقال السُّدِّيّ: و «النازِعاتِ» هي النفوس حين تَغْرَق في الصدور. مجاهد: هي الموت ينزِع النفوس. الحسن وقتادة: هي النجومُ تنزِع من أفق إلى أفق أي تذهب، من قولهم: نَزَع إليه أي ذهب، أو من قولهم: نَزَعَت الخيل أي جرت. { غَرْقاً } أي إنها تغرقَ وتغيب وتطلُع من أفق إلى أفق آخر. وقاله أبو عُبيدة وٱبن كَيسان والأخفش. وقيل: النازعات القِسِيّ تنزِع بالسّهام قاله عطاء وعِكْرمة. و «غَرْقا» بمعنى إغراقاً وإغراق النازع في القوس أن يبلغ غاية المدّ، حتى ينتهي إلى النصل. يقال: أغرق في القوس أي ٱستوفى مدّها، وذلك بأن تنتهي إلى العَقَب الذي عند النصل الملفوف عليه. والاستغراق الاستيعاب. ويقال لقشرة البيضة الداخلة: «غِرقِىء». وقيل: هم الغُزاة الرُّماة. قلت: هو والذي قبله سواء لأنه إذا أقسم بالقِسِيّ فالمراد النازعون بها تعظيماً لها وهو مثل قوله تعالى:وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } [العاديات: 1] والله أعلم. وأراد بالإغراق: المبالغة في النزع وهو سائغ في جميع وجوه تأويلها. وقيل: هي الوحش تنزِع من الكلأ وتنفر. حكاه يحيى بن سلام. ومعنى «غرقا» أي إبعاداً في النزع. قوله تعالى: { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } قال ٱبن عباس: يعني الملائكة تنِشط نفس المؤمن، فتقبضها كما يُنْشَط العِقال من يد البعير: إذا حُلَّ عنه. وحكى هذا القول الفراء ثم قال: والذي سمعت من العرب أن يقولوا أُنِشطت وكأنما أُنِشط من عِقال. ورَبْطها نَشْطُها والرابط الناشط، وإذا ربطت الحبل في يد البعير فقد نَشطْته، فأنت ناشط، وإذا حللته فقد أنشطته وأنت مُنْشِط. وعن ٱبن عباس أيضاً: هي أنفس المؤمنين عند الموت تَنْشَط للخروج وذلك أنه ما من مؤمن يحضره الموت إلا وتُعرض عليه الجنة قبل أن يموت، فيرى فيها ما أعدّ الله له من أزواجه وأهله من الحور العين، فهم يدعونه إليها، فنفسه إليهم نِشطَه أن تخرج فتأتيهم. وعنه أيضاً قال: يعني أنفس الكفار والمنافقين تنْشط كما ينشَط العقب، الذي يعقب به السهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7