الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً } * { فَٱلْعَاصِفَاتِ عَصْفاً } * { وٱلنَّاشِرَاتِ نَشْراً } * { فَٱلْفَارِقَاتِ فَرْقاً } * { فَٱلْمُلْقِيَٰتِ ذِكْراً } * { عُذْراً أَوْ نُذْراً } * { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَٰقِعٌ } * { فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ } * { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ } * { وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ } * { لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ } * { لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ }

قوله تعالى: { وَٱلْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً } جمهور المفسرين على أن المرسلات الرياح. وروى مسروق عن عبد الله قال: هي الملائكة أرسلت بالمعروف من أمر الله تعالى ونهيه والخبر والوحي. وهو قول أبي هريرة ومقاتل وأبي صالح والكلبيّ. وقيل: هم الأنبياء أرسلوا بلا إلٰه إلا الله قاله ٱبن عباس. وقال أبو صالح: إنهم الرسل تُرْسَل بما يُعْرَفون به من المعجزات. وعن ٱبن عباس وٱبن مسعود: إنها الرياح كما قال تعالى:وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ } [الحجر: 22] وقال:وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ } [الأعراف: 57]. ومعنى «عُرْفاً» يتبع بعضها بعضاً كعرف الفرس تقول العرب: الناس إلى فلان عُرْفٌ واحد: إذا توجهوا إليه فأكثروا. وهو نصب على الحال من { وَٱلْمُرْسَلاَتِ } أي والرياح التي أرسلت متتابعة. ويجوز أن تكون مصدراً أي تِباعاً. ويجوز أن يكون النصب على تقدير حرف الجر، كأنه قال: والمرسلات بالعُرْف، والمراد الملائكة أو الملائكة والرسل. وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالمرسلات السحاب، لما فيها من نعمة ونقمة، عارفة بما أرسلت فيه ومن أرسلت إليه. وقيل: إنها الزواجر والمواعظ. و«عرفاً» على هذا التأويل متتابعات كعرف الفرس قاله ٱبن مسعود. وقيل: جاريات قاله الحسن يعني في القلوب. وقيل: معروفات في العقول. { فَٱلْعَاصِفَاتِ عَصْفاً } الرياح بغير اختلاف قاله المهدويّ. وعن ٱبن مسعود: هي الرياح العواصف تأتي بالعصف، وهو ورق الزرع وحُطَامه كما قال تعالى:فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً } [الإسراء: 69]. وقيل: العاصفات الملائكة الموكّلون بالرياح يعصفون بها. وقيل: الملائكة تعصف بروح الكافر يقال: عصف بالشيء أي أباده وأهلكه، وناقة عَصُوف أي تعصف براكبها، فتمضي كأنها ريح في السرعة، وعصفت الحرب بالقوم أي ذهبت بهم. وقيل: يحتمل أنها الآيات المهلكة كالزلازل والخسوف. { وٱلنَّاشِرَاتِ نَشْراً } الملائكة الموكلون بالسحب ينشرونها. وقال ٱبن مسعود ومجاهد: هي الرياح يرسلها الله تعالى نشراً بين يدي رحمته أي تنشر السحاب للغيث. وروي ذلك عن أبي صالح. وعنه أيضاً: الأمطار لأنها تنشر النبات، فالنشر بمعنى الإحياء يقال: نشر الله الميّت وأنشره أي أحياه. وروى عنه السديّ: أنها الملائكة تنشر كتب الله عزّ وجلّ. وروى الضحاك عن ٱبن عباس قال: يريد ما ينشر من الكتب وأعمال بني آدم. الضحاك: إنها الصحف تنشر على الله بأعمال العباد. وقال الربيع: إنه البعث للقيامة تنشر فيه الأرواح. قال: «وَالنَّاشِرَاتِ» بالواو لأنه ٱستئناف قسم آخر. { فَٱلْفَارِقَاتِ فَرْقاً } الملائكة تنزل بالفرق بين الحقّ والباطل قاله ٱبن عباس ومجاهد والضحاك وأبو صالح. وروى الضحاك عن ٱبن عباس قال: ما تفرق الملائكة من الأقوات والأرزاق والآجال. وروى ٱبن إبي نجيح عن مجاهد قال: الفارقات الرياح تفرق بين السحاب وتبدّده. وعن سعيد عن قتادة قال: { فَٱلْفَارِقَاتِ فَرْقاً } الفرقان، فَرّق الله فيه بين الحق والباطل والحرام والحلال.

السابقالتالي
2 3 4