الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } * { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } * { لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ ٱللَّهَبِ } * { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } * { كَأَنَّهُ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ }

قوله تعالى: { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } أي يقال للكفار سيروا { إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } من العذاب يعني النار، فقد شاهدتموها عياناً. { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ } أي دخان { ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } يعني الدخان الذي يرتفع ثم يتشعب إلى ثلاث شعب. وكذلك شأن الدخان العظيم إذا ٱرتفع تشعب. ثم وصف الظلّ فقال: { لاَّ ظَلِيلٍ } أي ليس كالظلّ الذي بقى حرّ الشمس { وَلاَ يُغْنِي مِنَ ٱللَّهَبِ } أي لا يدفع من لهب جهنم شيئاً. واللهب ما يعلو على النار إذ ٱضطرمت، من أحمر وأصفر وأخضر. وقيل: إن الشُّعَب الثلاث هي الضريع والزُّقُّوم والغِسْلين قاله الضحاك. وقيل: اللهب ثم الشرر ثم الدخان لأنها ثلاثة أحوال، هي غاية أوصاف النار إذا ٱضطرمت وٱشتدّت. وقيل: عُنُق يخرج من النار فيتشعب ثلاث شعب. فأما النور فيقف على رؤوس المؤمنين، وأما الدخان فيقف على رؤوس المنافقين، وأما اللهب الصافي فيقف على رؤوس الكافرين. وقيل: هو السُّرَادق، وهو لسان من نار يحيط بهم، ثم يتشعب منه ثلاث شعب، فتظللهم حتى يُفْرَغ من حسابهم إلى النار. وقيل: هو الظلّ من يَحْموم كما قال تعالى:فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } [الواقعة: 42-44] على ما تقدّم. وفي الحديث: " إن الشمس تدنو من رؤوس الخلائق وليس عليهم يومئذ لباس ولا لهم أكفان فتلحقهم الشمس وتأخذ بأنفاسهم ومُدَّ ذلك اليوم، ثم ينجّي الله برحمته من يشاء إلى ظلّ من ظلّه فهنالك يقولون: { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } [الطور: 27] " ويقال للمكذبين: { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } من عذاب الله وعقابه { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ }. فيكون أولياء الله جلّ ثناؤه في ظلّ عرشه أو حيث شاء من الظلّ، إلى أن يفرغ من الحساب ثم يؤمر بكل فريق إلى مستقرّه من الجنة والنار. ثم وصف النار فقال: { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } الشرر: واحدته شررة. والشرار: واحدته شرارة، وهو ما تطاير من النار في كل جهة، وأصله من شَرَّرَتُ الثوبَ إذا بسطته للشمس ليجفّ. والقصر البناء العالي. وقراءة العامة «كَالْقَصْرِ» بإسكان الصاد: أي الحصون والمدائن في العِظم وهو واحد القصور. قاله ٱبن عباس وٱبن مسعود. وهو في معنى الجمع على طريق الجنس. وقيل: القصر جمع قَصْرةٍ ساكنة الصاد، مثل جَمْرَة، وجَمْرٍ وتَمْرة وتَمْر. والقصرة: الواحدة من جَزْل الحطب الغليظ. وفي البخاريّ عن ٱبن عباس أي «تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصَرِ» قال كنا نرفع الخشبَ بقَصَرٍ ثلاثة أذرعٍ أو أقلّ، فنرفعه للشتاء، فنسميه القَصَر. وقال سعيد ابن جُبير والضحاك: هي أصول الشجر والنخل العظام إذا وقع وقُطِع. وقيل: أعناقه.

السابقالتالي
2 3