الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } * { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } * { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً }

قوله تعالى: { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } أي لا يُخلِفون إذا نَذَرواً. وقال مَعْمَر عن قتادة: بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعُمْرة وغيره من الواجبات. وقال مجاهد وعكرمة: يوفون إذا نذروا في حقّ الله جل ثناؤه. وقال الفرّاء والجرجاني: وفي الكلام إضمار أي كانوا يوفون بالنذر في الدنيا. والعرب قد تزيد مرة «كان» وتحذف أخرى. والنذر: حقيقته ما أوجبه المكلّف على نفسه من شيء يفعله. وإن شئت قلت في حَدِّه: النذر: هو إيجاب المكلَّف على نفسه من الطاعات ما لو لم يوجبه لم يلزمه. وقال الكَلْبيّ: { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } أي يتممون العهود والمعنى واحد وقد قال الله تعالى:ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } [الحج: 29] أي أعمال نسكهم التي ألزموها أَنفسهم بإحرامهم بالحج. وهذا يقوّي قول قتادة. وأن النذر يندرج فيه ما ٱلتزمه المرء بإيمانه من ٱمتثال أمر الله قاله القُشيري. وروى أشهب عن مالك أنه قال: { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } هو نذر العتق والصيام والصلاة. وروى عنه أبو بكر بن عبد العزيز قال مالك: { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } قال: النذر: هو اليمين. قوله تعالى: { وَيَخَافُونَ } أي يحذرون { يَوْماً } أي يوم القيامة. { كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } أي عالياً داهياً فاشياً وهو في اللغة ممتدّاً والعرب تقول: ٱستطار الصدع في القارورة والزجاجة وٱستطال: إذا ٱمتد قال الأعشى:
وبَانَتْ وقد أَسْأَرَتْ في الفُؤَا   دِ صَدْعاً على نَأْيِهَا مُسْتَطِيرَا
ويقال: ٱستطار الحريق: إذا ٱنتشر. وٱستطار الفجر إذا ٱنتشر الضوء. وقال حسان:
وهَانَ على سَرَاة بنِي لُؤَيٍّ   حرِيقٌ بالبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ
وكان قتادة يقول: ٱستطار واللَّهِ شرُّ ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض. وقال مقاتل: كان شره فاشياً في السموات فٱنشقت، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وفي الأرض نُسِفت الجبالُ وغارت المياهُ. قوله تعالى: { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ } قال ٱبن عباس ومجاهد: على قِلّته وحبّهم إياه وشهوتهم له. وقال الداراني: على حبّ الله. وقال الفُضَيل بن عِياض: على حبّ إطعام الطعام. وكان الربيع بن خيثم إذا جاءه السائل قال: أطعموه سُكَّراً فإن الربيع يحب السكر. { مِسْكِيناً } أي ذا مسكنة. وروى أبو صالح عن ٱبن عباس قال: هو الطوّاف يسألك مَالَكَ { وَيَتِيماً } أي من يتامى المسلمين. وروى منصور عن الحسن: أن يتيماً كان يحضر طعام ٱبن عمر، فدعا ذات يوم بطعامه، وطلب اليتيم فلم يجده، وجاءه بعد ما فرغ ٱبن عمر من طعامه فلم يجد الطعام، فدعا له بسَوِيق وعسل فقال: دونك هذا، فوالله ما غُبِنتَ قال الحسن وٱبن عمر: والله ما غُبِن. { وَأَسِيراً } أي الذي يؤسر فيحبس. فروى أبو صالح عن ٱبن عباس قال: الأسير من أهل الشرك يكون في أيديهم. وقاله قتادة. وروى ٱبن أبي نجيح عن مجاهد قال: الأسير هو المحبوس.

السابقالتالي
2 3 4 5