الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } * { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } * { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }

قوله تعالى: { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } «هَلْ»: بمعنى قد قاله الكسائي والفراء وأبو عبيدة. وقد حكي عن سيبويه «هَلْ» بمعنى قد. قال الفراء: هل تكون جَحْداً، وتكون خبراً، فهذا من الخبر لأنك تقول: هل أعطيتك؟ تُقَرِّره بأنك أعطيته. والجحد أن تقول: هل يقدر أحد على مثل هذا؟ وقيل: هي بمنزلة الاستفهام، والمعنى: أتى. والإنسان هنا آدم عليه السلام قاله قتادة والثَّوريّ وعِكرمة والسّديّ. وروي عن ٱبن عباس. { حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ } قال ٱبن عباس في رواية أبي صالح: أربعون سنة مرّت به، قبل أن ينفخ فيه الروح، وهو ملقى بين مكة والطائف. وعن ٱبن عباس أيضاً في رواية الضحاك أنه خلق من طين، فأقام أربعين سنة، ثم من حَمَإٍ مسنون أربعين سنة، ثم من صَلْصال أربعين سنة، فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة. وزاد ٱبن مسعود فقال: أقام وهو من تراب أربعين سنة، فتم خلقه بعد مائة وستين سنة، ثم نفخ فيه الروح. وقيل: الحين المذكور ها هنا: لا يُعْرف مقدارُه عن ٱبن عباس أيضاً، حكاه الماورديّ. { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } قال الضحاك عن ٱبن عباس: لا في السماء ولا في الأرض. وقيل: أي كان جسداً مصوّراً تراباً وطيناً، لا يُذكَر ولا يُعرَف، ولا يُدرَى ما ٱسمه ولا ما يراد به، ثم نُفِخ فيه الرُّوح، فصار مذكوراً قاله الفراء وقطرب وثعلب. وقال يحيـى بن سلاّم: لم يكن شيئاً مذكوراً في الخَلْق وإن كان عند الله شيئاً مذكوراً. وقيل: ليس هذا الذِّكر بمعنى الإخبار، فإن إخبار الربّ عن الكائنات قديم، بل هذا الذِّكر بمعنى الخطر والشرف والقدر تقول: فلان مذكور أي له شرف وقدر. وقد قال تعالى:وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف: 44] أي قد أتى على الإنسان حين لم يكن له قَدْر عند الخليقة. ثم لما عَرَّف الله الملائكة أنه جعل آدم خليفة، وحمَّله الأمانة التي عجز عنها السموات والأرض والجبال، ظهر فضله على الكل، فصار مذكوراً. قال القُشيريّ: وعلى الجملة ما كان مذكوراً للخلق، وإن كان مذكوراً لله. وحكى محمد ابن الجهم عن الفراء: «لَمْ يَكُنْ شَيْئاً» قال: كان شيئاً ولم يكن مذكوراً. وقال قوم: النفي يرجع إلى الشيء أي قد مضى مُدَد من الدهر وآدم لم يكن شيئاً يذكر في الخليقة لأنه آخر ما خلقه من أصناف الخليقة، والمعدوم ليس بشيء حتى يأتي عليه حين. والمعنى: قد مضت عليه أزمنة وما كان آدم شيئاً ولا مخلوقاً ولا مذكوراً لأحد من الخليقة. وهذا معنى قول قتادة ومقاتل: قال قتادة: إنما خلق الإنسان حديثاً ما نعلم من خليقة الله جل ثناؤه خليقة كانت بعد الإنسان.

السابقالتالي
2 3