الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } * { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } * { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }

قوله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } الأوّل من النّضْرة التي هي الحسن والنَّعمة. والثاني من النظر أي وجوه المؤمنين مشرقة حسنة ناعمة يقال: نَضَرهم اللَّهُ يَنضرُهم نَضْرة ونَضَارة وهو الإشراق والعيش والغنى ومنه الحديث: " نَضّر الله ٱمرأً سمع مقالتي فوعاها " «إِلَى رَبِّهَا» إلى خالقها ومالكها «نَاظِرَةٌ» أي تنظر إلى ربها على هذا جمهور العلماء. وفي الباب حديث صُهَيب خرجه مسلم وقد مضى في «يونس» عند قوله تعالى:لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26]. وكان ٱبن عمر يقول: أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غُدْوة وَعشية ثم تلا هذه الآية:وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 22، 23]. وروى يزيد النحوي عن عِكْرمة قال: تنظر إلى ربها نظراً. وكان الحسن يقول: نضرت وجوههم ونظروا إلى ربّهم. وقيل: إن النظر هنا ٱنتظار ما لهم عند الله من الثواب. وروي عن ٱبن عمر ومجاهد. وقال عِكرمة: تنتظر أمر ربها. حكاه الماوردِيّ عن ٱبن عمر وعِكرمة أيضاً. وليس معروفاً إلا عن مجاهد وحده. وٱحتجوا بقوله تعالى:لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ } [الأنعام: 103] وهذا القول ضعيف جدًّا، خارج عن مقتضى ظاهر الآية والأخبار. وفي الترمذيّ عن ٱبن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جِنانه وأزواجه وخَدمه وسُرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غُدْوة وعَشيّة» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَة } " قال هذا حديث غريب. وقد روي عن ٱبن عمر ولم يرفعه. وفي صحيح مسلم عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم جلّ وعزّ إلا رِداء الكبرياء على وجهه في جَنّة عدن " وروى جرير بن عبد الله قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوساً، فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: " إنكم سترون ربكم عِياناً كما ترون هذا القمر، لا تُضَامون في رؤيته فإن ٱستطعتم ألاّ تُغلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فٱفعلوا " ثم قرأوَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } [قۤ: 39] متّفق عليه. وخرجه أيضاً أبو داود والترمذيّ وقال حديث حسن صحيح. وخرج أبو داود عن أبي رَزِين العُقَيليّ قال: قلت " يا رسول الله أكلّنا يرى ربه؟ قال ٱبن معاذ: مُخْلِياً به يوم القيامة؟ قال: «نعم يا أبا رَزِين» قال: وما آية ذلك في خَلْقه؟ قال: «يا أبا رَزِين أليس كلّكم يَرَى القمر» قال ٱبن معاذ: ليلة البدر مُخْلِياً به. قلنا: بلى. قال: «فالله أعظم» قال ٱبن معاذ قال: «فإنما هو خلق من خلق الله ـ يعني القمر ـ فالله أجل وأعظم» "

السابقالتالي
2 3