الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ } * { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } * { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } * { يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } * { كَلاَّ لاَ وَزَرَ } * { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } * { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ }

قوله تعالى: { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ } قرأ نافع وأبان عن عاصم «بَرَقَ» بفتح الراء، معناه: لمع بصره من شدّة شخوصه، فتراه لا يَطرِف. قال مجاهد وغيره: هذا عند الموت. وقال الحسن: هذا يوم القيامة. وقال فيه معنى الجواب عما سأل عنه الإنسان كأنه يوم القيامة { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ * وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ }. والباقون بالكسر «بَرِقَ» ومعناه: تحيّر فلم يَطرِف قاله أبو عمرو والزجاج وغيرهما. قال ذو الرمّة:
ولو أنّ لُقْمَانَ الحكيم تَعَرَّضَتْ   لِعينيهِ مَيٌّ سافِراً كاد يَبْرَقُ
الفرّاء والخليل: «برِقَ» بالكسر: فَزِع وبُهِت وتَحيَّر. والعرب تقول للإنسان المتحيِّر المبهوت: قد بَرِق فهو برِقٌ وأنشد الفرّاء:
فنَفْسَكَ فٱنْعَ ولا تنَعَنِي   ودَاوِ الكُلُومَ ولا تَبْرِقِ
أي لا تَفزَع من كثرة الكُلُوم التي بك. وقيل: برَقَ يَبرُق بالفتح: شقّ عينيه وفتحهما. قاله أبو عبيدة وأنشد قول الكلابيّ:
لما أتانِي ٱبنُ عُمَيرٍ راغِباً   أعطيتُه عِيساً صِهاباً فبَرقَ
أي فتح عينيه. وقيل: إن كسر الراء وفتحها لغتان بمعنًى. قوله تعالى: { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } أي ذهب ضوءه. والخسوف في الدنيا إلى ٱنجلاء، بخلاف الآخرة، فإنه لا يعود ضوءه. ويحتمل أن يكون بمعنى غاب ومنه قوله تعالى:فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } [القصص: 81] وقرأ ٱبن أبي إسحاق وعيسى والأعرج: «وَخُسِفَ الْقَمَر» بضم الخاء وكسر السين يدل عليه «وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ». وقال أبو حاتم محمد بن إدريس: إذا ذهب بعضه فهو الكسوف، وإذا ذهب كله فهو الخسوف. { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } أي جمع بينهما في ذهاب ضوئهما، فلا ضوء للشمس كما لا ضوء للقمر بعد خسوفه قاله الفراء والزجاج. قال الفراء: ولم يقل جمعت لأن المعنى جمع بينهما. وقال أبو عبيدة: هو على تغليب المذكر. وقال الكسائيّ: هو محمول على المعنى، كأنه قال الضوءان. المبرد: التأنيث غير حقيقي. وقال ٱبن عباس وٱبن مسعود: جمع بينهما أي قرن بينهما في طلوعهما من المغرب أسودين مُكوَّرين مظلمين مُقرَنَين كأنهما ثوران عَقيران. وقد مضى الحديث بهذا المعنى في آخر سورة «الأنعام». وفي قراءة عبد الله «وَجُمِعَ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ» وقال عطاء بن يسار: يجمع بينهما يوم القيامة ثم يقذفان في البحر، فيكونان نار الله الكبرى. وقال على وٱبن عباس: يجعلان في نور الحجب. وقد يجمعان في نار جهنم لأنهما قد عبِدَا من دون الله ولا تكون النار عذاباً لهما لأنهما جماد، وإنما يفعل ذلك بهما زيادة في تبكيت الكافرين وحسرتهم. وفي مسند أبي داود الطيالسيّ، عن يزيد الرقاشيّ، عن أنس بن مالك يرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشمس والقمر ثوران عَقيران في النار " وقيل: هذا الجمع أنهما يجتمعان ولا يفترقان، ويقربان من الناس، فيلحقهم العرق لشدّة الحر فكأن المعنى يجمع حرهما عليهم.

السابقالتالي
2 3