الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ } * { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } * { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } * { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } * { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } * { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } * { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } * { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } * { فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } * { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } * { وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } * { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ } * { وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } * { حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } * { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ }

قوله تعالى: { كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ } قال الفراء: «كَلاَّ» صلة للقسم، التقدير أي والقمر. وقيل: المعنى حقاً والقمر فلا يوقف على هذين التقديرين على «كَلاَّ» وأجاز الطّبريّ الوقف عليها، وجعلها ردًّا للذين زعموا أنهم يقاومون خَزَنة جهنم أي ليس الأمر كما يقول من زعم أنه يقاوم خزنة النار. ثم أقسم على ذلك جلّ وعزّ بالقمر وبما بعده، فقال: { وَٱللَّيْلِ إِذَا أَدْبَرَ } أي وَلَّى وكذلك «دَبَر». وقرأ نافع وحمزة وحفص «إِذْ أَدْبَرَ» الباقون «إذَا» بألف و «دَبَرَ» بغير ألف وهما لغتان بمعنًى يقال: دَبَر وأدبر، وكذلك قَبِل الليل وأقبل. وقد قالوا: أمس الدابر والمدبر قال صخر بن عمرو بن الشَّريد السُّلَميّ:
وَلَقَدْ قَتَلْنَاكُمُ ثُنَاءَ وَمَوْحَداً   وَتَرَكْتُ مُرَّةَ مِثْلَ أَمْس الدَّابِرِ
ويروي المدبِر. وهذا قول الفراء والأخفش. وقال بعض أهل اللغة: دَبَر الليل: إذا مضى، وأدبر: أخذ في الإدبار. وقال مجاهد: سألت ٱبن عباس عن قوله تعالى: «وَاللَّيْلِ إِذَا دَبَرَ» فسكت حتى إذا دَبَر قال: يا مجاهد، هذا حين دَبَرَ الليلُ. وقرأ محمد بن السَّمَيقْعَ { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } بألفين، وكذلك في مصحف عبد الله وَأُبَيّ بألفين. وقال قُطرب من قرأ «دَبَرَ» فيعني أقبل، من قول العرب دَبَر فلان: إذا جاء من خلفي. قال أبو عمرو: وهي لغة قريش. وقال ٱبن عباس في رواية عنه: الصواب: «أَدْبَرَ» إنما يَدْبَر ظهرَ البعير. وٱختار أبو عُبيد: «إِذَا أَدْبَرَ» قال: لأنها أكثر موافقة للحروف التي تليه ألا تراه يقول: { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } ، فكيف يكون أحدهما «إذ» والآخر «إذا»، وليس في القرآن قَسَم تعقبه «إذ» وإنما يتعقبه «إذا». ومعنى «أَسْفَرَ»: ضاء. وقراءة العامة «أَسْفَرَ» بالألف. وقرأ ٱبن السَّمَيْقَع: «سَفَرَ». وهما لغتان. يقال: سَفَر وجهُ فلان وأسفر: إذا أضاء. وفي الحديث: " أسِفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر " أي صلّوا صلاة الصبح مُسْفِرين، ويقال: طَوِّلوها إلى الإسفار، والإسفار: الإنارة. وأسفر وجهه حسناً أي أشرق، وسفرت المرأة كشفت عن وجهها فهي سافر. ويجوز أن يكون من سَفَر الظلامَ أي كنسه، كما يُسفَر البيت أي يُكنَس ومنه السَّفير: لما سقط من ورق الشجر وتَحاتَّ يقال: إنما سمي سفيراً لأن الريح تَسِفره أي تكنُسه. والمِسْفَرة: المِكْنَسة. قوله تعالى: { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } جواب القسم أي إن هذه النار { لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } أي لإحدى الدواهي. وفي تفسير مقاتل «الْكُبَر»: ٱسم من أسماء النار. وروي عن ٱبن عباس «إنَّهَا» أي إن تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم { لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } أي لَكبيرة من الكبائر. وقيل: أي إن قيام الساعة لإحدى الكُبَر. والكُبَر: هي العظائم من العقوبات قال الراجز:
يا بن المُعَلَّي نَزلتْ إحدى الكُبَرْ   داهيةُ الدهْر وصَمَّاءُ الغِيَرْ
وواحدة «الكُبَر»، كُبرى مثل الصُّغْرى والصُّغَر، والعُظْمى والعُظَم.

السابقالتالي
2 3 4