الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } * { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } * { ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } * { ثُمَّ نَظَرَ } * { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } * { ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ } * { فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } * { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ }

قوله تعالى: { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } يعني الوليد فكر في شأن النبيّ صلى الله عليه وسلم والقرآن و «قَدَّرَ» أي هيأ الكلام في نفسه، والعرب تقول: قدّرت الشيء إذا هيأته، وذلك أنه لما نزل:حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } [غافر: 1]إلى قوله: { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } سمعه الوليد يقرؤها فقال: والله لقد سمعت منه كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجنّ، وإن له لحَلاوة، وإن عليه لطُلاوة، وإن أعلاه لمثِمر، وإن أسفله لمغِدق، وإنه ليعلو ولا يُعْلَى عليه، وما يقول هذا بشر. فقالت قريش: صَبَا الوليدُ لتَصبونّ قريش كلها. وكان يقال للوليد ريحانة قريش فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه. فمضى إليه حزيناً؟ فقال له: ما لي أراك حزيناً. فقال له: وما لي لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك بها على كبر سنك ويزعمون أنك زينت كلام محمد، وتدخل على ٱبن أبي كبشة وٱبن أبي قحافة لتنال من فضل طعامهما فغضب الوليد وتكبر، وقال: أنا أحتاج إلى كِسر محمد وصاحبه، فأنتم تعرفون قدر مالي، والّلات والعُزّى ما بي حاجة إلى ذلك، وإنما أنتم تزعمون أن محمداً مجنون، فهل رأيتموه قطّ يَخنُق؟ قالوا: لا واللَّهِ. قال: وتزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه نطق بشعر قطّ؟ قالوا: لا والله. قال: فتزعمون أنه كذّاب فهل جرّبتم عليه كذباً قط؟ قالوا: لا والله. قال: فتزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه تكهّن قط، ولقد رأينا للكهنة أسجاعاً وتخالجاً فهل رأيتموه كذلك؟ قالوا: لا واللَّهِ. وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يُسَمَّى الصادق الأمين من كثرة صدقه. فقالت قريش للوليد: فما هو؟ ففكّر في نفسه، ثم نظر، ثم عبس، فقال: ما هو إلا ساحر! أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟! فذلك قوله تعالى: { إِنَّهُ فَكَّرَ } أي في أمر محمد والقرآن { وَقَدَّرَ } في نفسه ماذا يمكنه أن يقول فيهما. { فَقُتِلَ } أي لُعن. وكان بعض أهل التأويل يقول: معناها فقهر وغُلب، وكل مُذَلَّل مُقتَّل قال الشاعر:
ومَا ذَرَفَتْ عيناكِ إلاّ لِتَقْدَحِي   بسَهْمَيْكِ في أَعْشارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ
وقال الزهريّ: عُذَّب وهو من باب الدعاء. { كَيْفَ قَدَّرَ } قال ناسٌ: «كَيْفَ» تعجيب كما يقال للرجل تتعجب من صنيعه: كيف فعلت هذا؟ وذلك كقوله: { ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ }. { ثُمَّ قُتِلَ } أي لُعن لعناً بعد لَعن. وقيل: فقتل بضرب من العقوبة، ثم قتل بضرب آخر من العقوبة { كَيْفَ قَدَّرَ } أي على أي حال قَدر. { ثُمَّ نَظَرَ } بأي شيء يرد الحقّ ويدفعه. { ثُمَّ عَبَسَ } أي قَطَّب بين عينيه في وجوه المؤمنين وذلك أنه لما حمل قريشاً على ما حملهم عليه من القول في محمد صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر، مرّ على جماعة من المسلمين، فدعوه إلى الإسلام، فعبس في وجوههم.

السابقالتالي
2