الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } * { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } * { وَبَنِينَ شُهُوداً } * { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } * { ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ } * { كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } * { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً }

قوله تعالى: { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } { ذَرْنِي } أي دعني وهي كلمة وعيد وتهديد. { وَمَنْ خَلَقْتُ } أي دعني والذي خلقتُه وحيداً فـ «ـوحيداً» على هذا حال من ضمير المفعول المحذوف، أي خلقته وحده، لا مال له ولا ولد، ثم أعطيتهُ بعد ذلك ما أعطيته. والمفسرون على أنه الوليد بن المغيرة المخزوميّ، وإن كان الناس خلقوا مثل خلقه. وإنما خُصّ بالذكر لاختصاصه بكفر النعمة وإيذاء الرسول عليه السلام، وكان يسمَّى الوحيد في قوله. قال ٱبن عباس: كان الوليد يقول: أنا الوحيد بن الوحيد، ليس لي في العرب نظير، ولا لأبي المغيرة نظير، وكان يسمى الوحيد فقال الله تعالى: { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ } بزعمه { وَحِيداً } لا أن الله تعالى صدّقه بأنه وحيد. وقال قوم: إن قوله تعالى: { وَحِيداً } يرجع إلى الربّ تعالى على معنين: أحدهما: ذرني وحدي معه فأنا أجزيك في الانتقام منه عن كل منتقم. والثاني: أني ٱنفردت بخلقه ولم يشركني فيه أحد، فأنا أهلكه ولا أحتاج إلى ناصر في إهلاكه فـ «ـوحِيداً» على هذا حال من ضمير الفاعل، وهو التاء في «خَلَقْتُ» والأوّل قول مجاهد، أي خلقته وحيداً في بطن أمه لا مال له ولا ولد، فأنعمت عليه فكفر فقوله: «وِحيداً» على هذا يرجع إلى الوليد، أي لم يكن له شيء فملكته. وقيل: أراد بذلك ليدله على أنه يبعث وحيداً كما خُلق وحيداً. وقيل: الوحيد الذي لا يُعرف أبوه، وكان الوليد معروفاً بأنه دَعِيّ كما ذكرنا في قوله تعالى:عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } [القلم: 13] وهو في صفة الوليد أيضاً. قوله تعالى: { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } أي خوّلته وأعطيته مالاً ممدوداً، وهو ما كان للوليد بين مكة والطائف من الإبل والحُجُور والنَّعَم والجِنان والعبيد والجواري، كذا كان ٱبن عباس يقول. وقال مجاهد: غلّة ألف دينار قاله سعيد بن جبير وٱبن عباس أيضاً. وقال قتادة: ستة آلاف دينار. وقال سفيان الثوري وقتادة: أربعة آلاف دينار. الثوريّ أيضاً: ألف ألف دينار. مقاتل: كان له بستان لا ينقطع خيره شتاءً ولا صيفاً. وقال عمر رضي الله عنه: { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } غلة شهر بشهر. النعمان بن سالم: أرضاً يزرع فيها. القشيريّ: والأظهر أنه إشارة إلى ما لا ينقطع رزقه، بل يتوالى كالزرع والضرع والتجارة. قوله تعالى: { وَبَنِينَ شُهُوداً } أي حضوراً لا يغيبون عنه في تصرف. قال مجاهد وقتادة: كانوا عشرة. وقيل: ٱثنا عشر قاله السّديّ والضحاك. قال الضحاك: سبعة ولدوا بمكة وخمسةٌ ولدوا بالطائف. وقال سعيد بن جبير: كانوا ثلاثة عشر ولداً. مقاتل: كانوا سبعة كلهم رجال، أسلم منهم ثلاثة: خالد وهشام والوليد بن الوليد. قال: فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك.

السابقالتالي
2 3