الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } * { قُمْ فَأَنذِرْ } * { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } * { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ }

فيه ست مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } أي يا ذا الذي قد تدثّر بثيابه، أي تغشَّي بها ونام، وأصله المتدثر فأدغمت التاء في الدال لتجانسهما. وقرأ أبَيّ «الْمُتَدثّر» على الأصل. وقال مقاتل: معظم هذه السورة في الوليد بن المغيرة. وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُحدِّث ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدّث عن فَترة الوحي ـ قال في حديثه: " فبينما أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء فرفعت رأسي، فإذا المَلَك الذي جاءني بحراء جالساً على كرسي بين السماء والأرض " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فجُئِثْتُ منه فَرَقاً، فرجعت فقلت زمّلوني زمّلوني، فدثروني، فأنزل الله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } " في رواية ـ قبل أن تفرض الصلاة ـ وهي الأوثان قال: " ثم تتابع الوحي " خرجه الترمذي أيضاً وقال: حديث حسن صحيح. قال مسلم: وحدّثنا زهير بن حرب، قال: حدثنا الوليد ابن مسلم، قال: حدثنا الأوزاعيّ قال: سمعت يحيى يقول: سألت أبا سلمة: أيُّ القرآن أنزل قبلُ؟ قال: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } فقلت: أو «ٱقرأ». فقال: سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل قبلُ؟ قال: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } فقلت: أو «ٱقرأ» فقال جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " جاورت بحِراء شهراً، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أرا أحداً، ثم نوديت فنظرت فلم أر أحداً، ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء ـ يعني جبريل صلى الله عليه وسلم ـ فأخذتني رَجْفةٌ شديدةٌ، فأتيت خديجة فقلت دثِّروني، فدثَّروني فصبُّوا عليّ ماء، فأنزل الله عز وجل: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } " خرجه البخاريّ وقال فيه: " «فأتيت خديجة فقلت دثِّروني وصُبُّوا عليّ ماءً بارداً، فدثَّروني وصَبُّوا عليّ ماءً بارداً فنزلت: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ * وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } " ٱبن العربيّ: وقد قال بعض المفسرين إنه جرى على النبيّ صلى الله عليه وسلم من عُقْبة بن ربيعة أمر، فرجع إلى منزله مغموماً، فقَلِق وٱضطجع، فنزلت: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } وهذا باطل. وقال القشيريّ أبو نصر: وقيل بلغه قولُ كفار مكة أنت ساحر، فوجِد من ذلك غمًّا وحُمَّ، فتدثَّر بثيابه، فقال الله تعالى: { قُمْ فَأَنذِرْ } أي لا تفكر في قولهم، وبلغهم الرسالة.

السابقالتالي
2 3 4 5