الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } * { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } * { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً }

فيه خمس مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ } أي قل يا محمد لأمتك: أَوْحَى الله إليّ على لسان جبريل { أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ } إليّ { نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ } وما كان عليه السلام عالماً به قبل أن أوحي إليه. هكذا قال ٱبن عباس وغيره على ما يأتي. وقرأ ٱبن أبي عَبْلة «أحِيَ» على الأصل يقال: أَوحَى إليه ووحَى، فقلبت الواو همزة ومنه قوله تعالى:وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ } [المرسلات: 11] وهو من القلب المطلق جوازه في كل واو مضمومة. وقد أطلقه المازنيّ في المكسورة أيضاً كإشاح وإسادة و «إِعَاءِ أَخِيهِ» ونحوه. الثانية ـ وٱختُلِف هل رآهم النبيّ صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فظاهر القرآن يدل على أنه لم يرهم لقوله تعالى: { ٱسْتَمَعَ } ، وقوله تعالى: { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ }. وفي صحيح مسلم والترمذي عن ٱبن عباس قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنّ وما رآهم، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سُوق عُكَاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشُهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حِيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشُّهب! قالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث، فٱضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فٱنظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء؟ فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فمرّ النفر الذين أخذوا نحو تِهامة وهو بنخلة عامدين إلى سُوق عُكَاظ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن ٱستمعوا له وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء. فرجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } فأنزل الله عز وجل على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ }. رواه الترمذي عن ٱبن عباس قال: " قول الجنّ لقومهم { لَّمَا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } قال: لما رأوه يصلّي وأصحابه يصلّون بصلاته فيسجدون بسجوده قال: تعجّبوا من طواعية أصحابه له، قالوا لقومهم: «لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا» " قال: هذا حديث حسن صحيح ففي هذا الحديث دليل على أنه عليه السلام لم ير الجنّ ولكنهم حضروه، وسمعوا قراءته. وفيه دليل على أن الجنّ كانوا مع الشياطين حين تجسسوا الخبر بسبب الشياطين لما رُمُوا بالشّهب. وكان المرميّون بالشّهب من الجنّ أيضاً. وقيل لهم شياطين كما قال: " شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ " فإن الشيطان كل متمرّد وخارج عن طاعة الله. وفي الترمذي عن ٱبن عباس قال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6