الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } * { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً }

قوله تعالى: { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } هذا من قول الله تعالى. أي لو آمن هؤلاء الكفار لوسّعنا عليهم في الدنيا وبسطنا لهم في الرزق. وهذا محمول على الوحي أي أوحى إليّ أن لو ٱستقاموا. ذكر ٱبن بحر: كل ما في هذه السورة من «إن» المكسورة المثقلة فهي حكاية لقول الجِن الذين ٱستمعوا القرآن، فرجعوا إلى قومهم منذرين، وكل ما فيها من أن المفتوحة المخففة فهي وحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ٱبن الأنباري: ومن كسر الحروف وفتح «وَأَنْ لَوِ ٱسْتَقَامُوا» أضمر يميناً تامًّا، تأويلها: والله أن لو ٱستقاموا على الطريقة كما يقال في الكلام: والله أَنْ قمتَ لقمتُ، ووالله لو قمتَ قمتُ قال الشاعر:
أَما واللَّهِ أن لو كُنتَ حُرًّا   وما بِالحُرّ أنتَ ولا العتِيقِ
ومن فتح ما قبل المخففة نسَقها ـ أعنى الخفيفة ـ على «أَوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ»، «وَأَنْ لَوِ ٱسْتَقَامُوا» أو على «آمَنَّا بِهِ» وبأن لو ٱستقاموا. ويجوز لمن كسر الحروف كلها إلى «أن» المخففة، أن يعطف المخففة على «أَوحِيَ إِلَيَّ» أو على «آمَنَّا بِهِ»، ويستغني عن إضمار اليمين. وقراءة العامة بكسر الواو من «لوِ» لالتقاء الساكنين. وقرأ ٱبن وثّاب والأعمش بضم الواو. و { مَّآءً غَدَقاً } أي واسِعاً كثيراً، وكانوا قد حُبِس عنهم المطر سبع سنين يقال: غَدِقَتِ العينُ تَغدَق، فهي غَدِقة، إذا كثر ماؤها. وقيل: المراد الخلق كلُّهم أي { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } طريق الحق والإيمان والهدى وكانوا مؤمنين مطيعين { لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } أي كثيراً { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي لنختبرهم كيف شكرهم فيه على تلك النعم. وقال عمر في هذه الآية: أينما كان الماء كان المال، وأينما كان المال كانت الفتنة. فمعنى «لأَسْقَيْنَاهُمْ» لوسَّعنا عليهم في الدنيا وضرَبَ الماء الغَدَق الكثير لذلك مثلاً لأن الخير والرزق كله بالمطر يكون، فأقيم مقامه كقوله تعالى:وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [الأعراف: 96] وقوله تعالى:وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } [المائدة: 66] أي بالمطر. والله أعلم. وقال سعيد بن المسيّب وعطاء بن أبي رَبَاح والضحاك وقَتادة ومقاتل وعطية وعُبيد بن عمير والحسن: كان والله أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، ففتحت عليهم كنوز كسرى وقيصر والمقوقس والنجاشيّ ففُتنوا بها، فوثبوا على إمامهم فقتلوه. يعني عثمان بن عفّان. وقال الكلبيّ وغيره: «وَأَنَّ لَوِ ٱسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيَقَةِ» التي هم عليها من الكفر فكانوا كلهم كفاراً لوسّعنا أرزاقهم مكراً بهم وٱستدراجاً لهم، حتى يَفتتنوا بها، فنعذبهم بها في الدنيا والآخرة. وهذا قول قاله الربيع ٱبن أنس وزيد بن أسلم وٱبنه والكلبيّ والثّمالي ويَمَان بن رَباب وٱبن كيسان وأبو مِجْلَز وٱستدلّوا بقوله تعالى:

السابقالتالي
2