الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } * { لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } * { مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلْمَعَارِجِ } * { تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }

قوله تعالى: { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } قرأ نافع وابن عامر «سَالَ سَايل» بغير همزة. الباقون بالهمز. فمن همز فهو من السؤال. والباء يجوز أن تكون زائدة، ويجوز أن تكون بمعنى عن. والسؤال بمعنى الدعاء أي دعا داع بعذاب عن ابن عباس وغيره. يقال: دعا على فلان بالويل، ودعا عليه بالعذاب. ويقال: دعوت زيداً أي التمست إحضاره. أي التَمَسَ ملتمِسٌ عذاباً للكافرين وهو واقع بهم لا محالة يوم القيامة. وعلى هذا فالباء زائدة كقوله تعالى:تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [المؤمنون:20]، وقوله.وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } [مريم:25] فهي تأكيد. أي سأل سائل عذاباً واقعاً. { لِّلْكَافِرِينَ } أي على الكافرين. وهو النضر بن الحارث حيث قال:ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال:32] فنزل سؤاله، وقُتل يوم بدرٍ صبراً هو وعقبة بن أبي مُعيط لم يُقْتل صبراً غيرُهما قاله ابن عباس ومجاهد. وقيل: إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان والفِهْرِيّ. وذلك أنه لما بلغه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم في عليّ رضي الله عنه: " مَنْ كنتُ مَوْلاَه فعليٌّ مولاه " ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح ثم قال: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إلٰه إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك، وأن نصلّي خمساً فقبلناه منك، ونزكي أموالنا فقبلناه منك، وأن نصوم شهر رمضان في كل عام فقبلناه منك، وأن نَحُجّ فقبلناه منك، ثم لم ترض بهذا حتى فَضَّلْتَ ابن عمك عليناٰ أفهذا شيء منك أم من الله؟ ٰ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " والله الذي لا إلٰه إلا هو ما هو إلا من الله " فولّى الحارث وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فوالله ما وصل إلى ناقته حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله فنزلت: { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } الآية. وقيل: إن السائل هنا أبو جهل وهو القائل لذلك، قاله الربيع. وقيل: إنه قول جماعة من كفار قريش. وقيل: هو نوح عليه السلام سأل العذاب على الكافرين. وقيل: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أي دعا عليه السلام بالعقاب وطلب أن يوقعه الله بالكفار وهو واقع بهم لا محالة. وامتدّ الكلام إلى قوله تعالى: { فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً } أي لا تستعجل فإنه قريب. وإذا كانت الباء بمعنى عن ـ وهو قول قتادة ـ فكأن سائلاً سأل عن العذاب بمن يقع أو متى يقع. قال الله تعالى:فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } [الفرقان:59] أي سل عنه. وقال علقمة:
فإن تسألوني بالنساء فإنني   بصير بأدواء النساء طبِيب

السابقالتالي
2 3 4