الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } * { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } * { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } * { كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } قال الأخفش: مسرعين. قال:
بمكّةَ أهلُها ولقد أراهم   إليه مهطعيـن إلى السمـاع
والمعنى: ما بالهم يُسرعون إليك ويجلسون حواليك ولا يعملون بما تأمرهم. وقيل: أي ما بالهم مسرعين في التكذيب لك. وقيل: أي ما بال الذين كفروا يُسْرِعون إلى السماع منك ليعيبوك ويستهزئوا بك. وقال عطيّة: مهطعين: معرضين. الكلبيّ: ناظرين إليك تعجّباً. وقال قتادة: عامدين. والمعنى متقارب أي ما بالهم مسرعين عليك، مادّين أعناقهم، مدمني النظر إليك. وذلك من نظر العدوّ. وهو منصوب على الحال. نزلت في جمع من المنافقين المستهزئين، كانوا يحضرونه ـ عليه السلام ـ ولا يؤمنون به. و«قِبَلَكَ» أي نحوك. { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } أي عن يمين النبيّ صلى الله عليه وسلم وشماله حِلَقاً حِلَقاً وجماعات. والعِزيِن: جماعات في تفرقة، قاله أبو عبيدة. ومنه حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم " أنه خرج على أصحابه فرآهم حِلَقاً فقال:«مالي أراكم عزين ألاَ تَصُفّون كما تَصُفّ الملائكة عند ربّها ـ قالوا: وكيف تَصُفّ الملائكة عند ربّها؟ قال ـ: يُتِمُّون الصفوفَ الأوَلَ ويَتراصُّونَ في الصّف» " خرّجه مسلم وغيره. وقال الشاعر:
تَرَانا عندَهُ واللَّيْلُ داجٍ   على أبوابه حِلَقاً عِزِينا
أي متفرقين. وقال الراعي:
أخليفةَ الرحمن إنّ عشيرتي   أمسى سَرَاتُهُم إليك عِزِينـا
أي متفرقين. وقال آخر:
كأن الجماجـم من وقعها   خناطيـل يهوين شَتَّى عِزِينـا
أي متفرقين. وقال آخر:
فلما أن أتَيْـن على أُضَـاخٍ   ضَرَحْـنَ حَصَاهُ أشْتَـاتاً عِزِينا
وقال الكُمَيْت:
ونحنُ وجَنْدَلٌ بـاغٍ تَرَكْنَـا   كَتَائـب جَنْدَلٍ شَتَّـى عِزِينـا
وقال عنترة:
وقِرْنٍ قد تركتُ لِذِي وَليٍّ   عليه الطير كالعُصَبِ العِزِين
وواحد عِزين عِزة، جُمع بالواو والنون ليكون ذلك عِوَضاً مما حُذِف منها. وأصلها عِزْهة، فاعتلّت كما اعتلّت سَنَة فيمن جعل أصلها سَنْهة. وقيل: أصلها عِزْوة، من عزاه يعزوه إذا أضافه إلى غيره. فكل واحد من الجماعات مضافة إلى الأخرى، والمحذوف منها الواو. وفي الصحاح: «والعِزة الفِرْقة من الناس، والهاء عوض من الياء، والجمع عِزًى ـ على فِعَل ـ وعزون وعُزون أيضاً بالضم، ولم يقولوا عِزات كما قالوا ثبات. قال الأصمعيّ: يقال في الدار عِزون، أي أصناف من الناس. و { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ } متعلق بـ { مُهْطِعِينَ } ويجوز أن يتعلق بـ { عِزِينَ } على حد قولك: أخذته عن زيد. { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } قال المفسرون: كان المشركون يجتمعون حول النبيّ صلى الله عليه وسلم ويستمعون كلامه فيكذّبونه ويكذبون عليه، ويستهزئون بأصحابه ويقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلنّها قبلهم، ولئن أعطوا منها شيئاً لنعطين أكثر منه، فنزلت: «أيَطْمَعُ» الآية. وقيل: كان المستهزئون خمسة أرهط. وقرأ الحسن وطلحة بن مُصَرِّف والأعرج «أنْ يَدْخُلَ» بفتح الياء وضم الخاء مسمّى الفاعل.

السابقالتالي
2