الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِنَّهَا لَظَىٰ } * { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ } * { تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ } * { وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ }

قوله تعالى: { كَلاَّ } تقدّم القول في «كَلاَّ» وأنها تكون بمعنى حَقاً، وبمعنى لا. وهي هنا تحتمل الأمرين فإذا كانت بمعنى حقاً كان تمام الكلام «يُنجيهِ». وإذا كانت بمعنى لا كان تمام الكلام عليها أي ليس ينجيه من عذاب الله الافتداء ثم قال: { إِنَّهَا لَظَىٰ } أي هي جهنم أي تتلَظّى نيرانها كقوله تعالى:فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ } [الليل:14] واشتقاق لظي من التلظيِّ. والتِظَاءُ النار التهابها، وتلظّيها تلهُّبها. وقيل: كان أصلها «لظظ» أي مادامت لدوام عذابها فقلبت إحدى الظائين ألفاً فبقيت لظى. وقيل: هي الدركة الثانية من طبقات جهنم. وهي اسم مؤنث معرفة فلا ينصرف. { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ } قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم في رواية أبي بكر عنه والأعمش وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ «نَزَّاعَةٌ» بالرفع. وروى أبو عمرو عن عاصم «نَزَّاعَةً» بالنصب. فمن رفع فله خمسة أوجه: أحدها أن تجعل «لظى» خبر «إنّ» وترفع «نزاعة» بإضمار هي فمن هذا الوجه يحسن الوقف على «لظى». والوجه الثاني أن تكون «لظى» و «نزاعة» خبران لإن. كما تقول إنه خلق مخاصم. والوجه الثالث أن تكون «نزاعة» بدلاً من «لظى» و «لظى» خبر «إن». والوجه الرابع أن تكون «لظى» بدلاً من اسم «إنّ» و «نزاعة» خبر «إن». والوجه الخامس أن يكون الضمير في «إنها» للقصة، و «لظى» مبتدأ و «نزاعة» خبر الابتداء والجملة خبر «إن». والمعنى: أن القصة والخبر لظى نزاعة للشَّوَى. ومن نصب «نزاعة» حسن له أن يقف على «لظى» وينصب «نزاعة» على القطع من «لظى» إذ كانت نكرة متصلة بمعرفة. ويجوز نصبها على الحال المؤكدة كما قال:وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً } [البقرة:19]. ويجوز أن تنصب على معنى أنها تتلظى نزاعة أي في حال نزعها للشَّوَى. والعامل فيها ما دل عليه الكلام من معنى التلظي. ويجوز أن يكون حالاً على أنه حال للمكذبين بخبرها. ويجوز نصبها على القطع كما تقول: مررت بزيد العاقلَ الفاضلَ. فهذه خمسة أوجه للنصب أيضاً. والشَّوَى: جمعَ شواة وهي جلدة الرأس. قال الأعشى:
قالت قُتَيْلَةُ مالَهُ   قد جُلِّلَتْ شَيْباً شَوَاتُهُ
وقال آخر:
لأصبحت هدّتك الحوادث هَدّةً   لها فشواة الرأس بادٍ قَتِيرُها
القتير: الشّيب. وفي الصّحاح: «والشوى: جمع شواة وهي جلدة الرأس». والشَّوَى: اليدان والرجلان والرأس من الآدميين، وكل ما ليس مقتلاً. يقال: رماه فأشواه إذا لم يصب المقتل. قال الهُذَليّ:
فإن من القول التي لا شَوىَ لها   إذا زَلّ عن ظهر اللّسان انفلاتها
يقول: إن من القول كلمة لا تشوِي ولكن تقتل. قال الأعشى:
قالت قُتَيْلَةُ ماله   قد جُلّلت شَيْباً شَواته
قال أبو عبيد: أنشدها أبو الخطاب الأخفش أبا عمرو بن العلاء فقال له: «صَحّفت! إنما هو سَرَاتُه أي نواحيه فسكت أبو الخطاب ثم قال لنا: بل هو صَحَّف، إنما هو شواته».

السابقالتالي
2