الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ }

فيه أربع مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ } قيل في مَدْين: ٱسم بلد وقُطْر. وقيل: اسم قبيلة كما يقال: بَكْر وتَمِيم. وقيل: هم من ولد مَدْيَن بن إبراهيم الخليل عليه السلام. فمن رأى أن مدين ٱسم رجل لم يصرفه لأنه معرفة أعجميّ. ومن رآه اسماً للقبيلة أو الأرض فهو أحْرَى بألاّ يصرفه. قال المهدويّ: ويروى أنه كان ابن بنت لوط. وقال مكيّ: كان زوج بنت لوط. وٱختلف في نسبه فقال عطاء وابن إسحاق وغيرهما: وشعيب هو ٱبن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم عليه السلام. وكان ٱسمه بالسريانية بَيْرُوت. وأُمه ميكائيل بنت لوط. وزعم الشرقِيّ بن القُطَامِيّ أن شعيباً بن عَيْفَاء بن يَوْبَبَ بن مدين بن إبراهيم. وزعم ابن سَمْعَان أن شعيباً بن جزي بن يشجر بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. وشُعَيْب تصغير شَعْب أو شِعْب. وقال قتادة: هو شعيب بن يَوْبَبَ. وقيل: شعيب بن صفوان بن عيفاء بن ثابت بن مدين بن إبراهيم. والله أعلم. وكان أعمى ولذلك قال قومه:وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً } [هود: 91]. وكان يقال له: خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه. وكان قومه أهل كفر بالله وبخسٍ للمكيال والميزان. { قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } أي بيان، وهو مجيء شعيب بالرسالة. ولم يذكر له معجزة في القرآن. وقيل: معجزته فيما ذكر الكسائي في قصص الأنبياء. الثانية ـ قوله تعالى: { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } البخس النقص. وهو يكون في السِّلعة بالتعييب والتزهيد فيها، أو المخادعة عن القيمة، والاحتيال في التزيّد في الكيل والنقصان منه. وكل ذلك من أكل المال بالباطل، وذلك مَنْهِيٌّ عنه في الأُمم المتقدّمة والسالفة على ألسنة الرسل صلوات الله وسلامه على جميعهم وحسبنا الله ونعم الوكيل. الثالثة ـ قوله تعالى: { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } عطف على «وَلاَ تَبْخَسُوا». وهو لفظ يعمّ دقيق الفساد وجليله. قال ابن عباس: كانت الأرض قبل أن يبعث الله شعيباً رسولاً يُعمل فيها بالمعاصي وتُسْتَحَلُّ فيها المحارم وتُسفك فيها الدماء. قال: فذلك فسادها. فلما بعث الله شعيباً ودعاهم إلى الله صلحت الأرض. وكل نبيّ بعث إلى قومه فهو صلاحهم. الرابعة ـ قوله تعالى: { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ } نهاهم عن القعود بالطرق والصَّدِّ عن الطريق الذي يؤدّي إلى طاعة الله، وكانوا يوعِدون العذاب من آمن. واختلف العلماء في معنى قعودهم على الطرق على ثلاثة معان قال ٱبن عباس وقتادة ومجاهد والسدي: كانوا يقعدون على الطرقات المفِضية إلى شعيب فيتوَعدون من أراد المجيء إليه ويصدونه ويقولون: إنه كذاب فلا تذهب إليه كما كانت قريش تفعله مع النبيّ صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2