الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ }

فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } قال الفرّاء: لوط مشتق من قولهم: هذا ألْيَط بقلبي، أي ألصق. وقال النحاس: قال الزجاج زعم بعض النحويين ـ يعني الفرّاء ـ أن لوطاً يجوز أن يكون مشتقاً من لُطْتُ الحوض إذا ملسته بالطين. قال: وهذا غلط لأن الأسماء الأعجمية لا تشتقّ كإسحاق، فلا يقال: إنه من السُّحق وهو البُعد. وإنما صرف لوط لخفته لأنه على ثلاثة أحرف وهو ساكن الوسط. قال النقاش: لوط من الأسماء الأعجمية وليس من العربية. فأما لُطْتُ الحوض، وهذا ألْيَط بقلبي من هذا، فصحيح. ولكن الاسم أعجميّ كإبراهيم وإسحاق. قال سيبويه: نُوحٌ ولُوطٌ أسماء أعجمية، إلا أنها خفيفة فلذلك صرِفت. بعثه الله تعالى إلى أمة تسمى سدوم، وكان ابن أخي إبراهيم. ونَصْبُه إما بـ«أَرْسَلْنَا» المتقدّمة فيكون معطوفاً. ويجوز أن يكون منصوباً بمعنى وٱذكر. الثانية: قوله تعالى: { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } يعني إتْيَان الذكور. ذكرها الله باسم الفاحشة ليبيِّن أنها زِنًى كما قال تعالى:وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } [الإسراء: 32]. وٱختلف العلماء فيما يجب على من فعل ذلك بعد إجماعهم على تحريمه فقال مالك: يُرْجَم أحْصِن أو لم يُحصَن. وكذلك يرجم المفعول به إن كان محتلماً. وروي عنه أيضاً: يرجم إن كان مُحْصَناً، ويحبس ويؤدّب إن كان غير محصن. وهو مذهب عطاء والنخعيّ وٱبن المسيب وغيرهم. وقال أبو حنيفة: يُعَزَّز المحصن وغيره وروي عن مالك. وقال الشافعِيّ: يحدّ حَدّ الزِّنَى قياساً عليه. احتج مالك بقوله تعالى:وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } [الحجر: 74]. فكان ذلك عقوبة لهم وجزاءً على فعلهم. فإن قيل: لا حجة فيها لوجهين أحدهما ـ أن قوم لوط إنما عوقبوا على الكفر والتكذيب كسائر الأمم. الثاني ـ أن صغيرهم وكبيرهم دخل فيها فدلّ على خروجها من باب الحدود. قيل: أمّا الأوّل فغلط فإن الله سبحانه أخبر عنهم أنهم كانوا على معاصي فأخذهم بها منها هذه. وأمّا الثاني فكان منهم فاعل وكان منهم راضٍ، فعُوقب الجميع لسكوت الجماهير عليه. وهي حكمة الله وسنته في عباده. وبَقِي أمرُ العقوبة على الفاعلين مستمراً. والله أعلم. وقد رَوَى أبو داود وابن ماجه والترمِذيّ والنسائِي والدَّارَقُطْنِيّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فٱقتلوا الفاعل والمفعول به " لفظ أبي داود وابن ماجه. وعند الترمذِيّ " أحْصنا أو لم يحصنا " وروى أبو داود والدارقطنِيّ عن ٱبن عباس في البِكر يوجد على اللُّوطِية قال: يرجم. وقد رُوي عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أنه حرَّق رجلاً يُسمّى الفُجاءة حين عمل عمل قوم لوط بالنار.

السابقالتالي
2 3