الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ }

قوله تعالىٰ: { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } أي بين النار والجنة ـ لأنه جرىٰ ذكرهما ـ حاجز أي سُورٌ. وهو السور الذي ذكره الله في قوله:فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } [الحديد: 13]. { وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ } أي على أعراف السور وهي شُرَفُه. ومنه عُرف الفرس وعُرف الديك. روى عبد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس أنه قال: الأعراف الشيء المُشْرِف. وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال: الأعراف سور له عُرف كُعْرف الديك. والأعراف في اللغة: المكان المُشْرف جمع عُرْف. قال يحيىٰ بن آدم: سألت الكسائيّ عن واحد الأعراف فسكت، فقلت: حدثنا إسرائيل عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال: الأعراف سور له عرف كعرف الدّيك. فقال: نعم والله، واحده يعني، وجماعته أعراف، يا غلام، هات القرطاس فكتبه. وهذا الكلام خرج مخرج المدح كما قال فيه:رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [النور: 37] وقد تكلم العلماء في أصحاب الأعراف على عشرة أقوال: فقال عبد الله بن مسعود وحُذيفة ابن اليمان وابن عباس والشعبيّ والضحاك وابن جُبير: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم. قال ابن عطية: وفي مسند خيثمة بن سليمان في آخر الجزء الخامس عشر حديث عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «تُوضع الموازين يوم القيامة فتُوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صُؤابة دخل الجنة ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار». قيل: يا رسول الله، فمن ٱستوت حسناته وسيئاته؟ قال: «أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون» " وقال مجاهد: هم قوم صالحون فقهاء علماء. وقيل: هم الشهداء ذكره المَهْدويّ. وقال القشيريّ: وقيل هم فضلاء المؤمنين والشهداء، فرغوا من شغل أنفسهم، وتفرغوا لمطالعة حال الناس فإذا رأوا أصحاب النار تعوّذوا بالله أن يُرَدّوا إلى النار، فإن في قدرة الله كل شيء، وخلاف المعلوم مقدور. فإذا رأوا أهل الجنة وهم لم يدخلوها بعدُ يرجون لهم دخولها. وقال شَرَحْبيل بن سعد: هم المستشهِدون في سبيل الله الذين خرجوا عصاة لآبائهم. وذكر الطبري في ذلك حديثاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: وأنه تعادل عُقوقهم واستشهادهم. وذكر الثعلبيّ بإسناده عن ابن عباس في قوله عز وجل: { وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ } قال: الأعراف موضع عالٍ على الصراط، عليه العباس وحمزة وعليّ بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين، رضي الله عنهم، يعرفون محبِّيهم ببياض الوجوه ومُبْغضيهم بسواد الوجوه. وحكى الزَّهرَاوِي أنهم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، وهم في كل أمة. وٱختار هذا القول النحاس، وقال: وهو من أحسن ما قيل فيه فهم على السور بين الجنة والنار، وقال الزجاج: هم قوم أنبياء.

السابقالتالي
2