الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } * { فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }

قوله تعالى: { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ } قال ابن عباس: لا إلۤه إلا الله. وقيل: القسط العدل أي أمر بالعدل فأطيعوه. ففي الكلام حذف. { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ } أي توجهوا إليه في كل صلاة إلى القبلة. { عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } أي في أي مسجد كنتم. { وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي وحّدوه ولا تشركوا به. { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } نظيرهوَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الأنعام: 94] وقد تقدم. والكاف في موضع نصب أي تعودون كما بدأكم أي كما خلقكم أوّل مرة يعيدكم. وقال الزجاج: هو متعلق بما قبله. أي ومنها تخرجون كما بدأكم تعودون. { فَرِيقاً هَدَىٰ } «فريقاً» نصب على الحال من المضمر في «تَعُودُونَ» أي تعودون فريقين: سعداء، وأشقياء. يقوّي هذا قراءة أُبَيّ «تعودون فريقينِ فريقاً هدى وفريقاً حق عليهِم الضلالة» عن الكسائي. وقال محمد بن كعب القرظِيّ في قوله تعالى: { فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ } قال: من ابتدأ الله خلقه للضلالة صيّره إلى الضلالة، وإن عمِل بأعمال أهل الهدى. ومن ابتدأ الله خلقه على الهدى صيره إلى الهدى، وإن عمِل بأعمال الضلالة. ابتدأ الله خلق إبليس على الضلالة، وعمِل بأعمال السعادة مع الملائكة، ثم ردّه الله إلى ما ابتدأ عليه خلقه. قال: «وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ». وفي هذا رد واضح على القدرية ومن تابعهم. وقيل: «فَرِيقاً» نصب بـ «هَدَى»، «وفَرِيقاً» الثاني نصب بإضمار فعل أي وأضل فريقاً. وأنشد سيبويه:
أصبحتُ لا أحمل السِّلاحَ ولا   أملِك رأسَ البعير إن نَفَراً
والذِّئْبُ أخشاه إن مررتُ به   وَحْدِي وأخشَى الرياحَ والمطرا
قال الفرّاء: ولو كان مرفوعاً لجاز. { إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } وقرأ عيسى بن عمر: «أنهم» بفتح الهمزة، يعني لأنهم.