الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }

فيه ثمان مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } يعني الملائكة بإجماع. وقال «عِنْدَ رَبِّكَ» والله تعالى بكل مكان لأنهم قريبون من رحمته، وكل قريب من رحمة الله عز وجل فهو عنده عن الزجاج. وقال غيره: لأنهم في موضع لا ينفذ فيه إلا حكم الله. وقيل: لأنهم رُسُل الله كما يقال: عند الخليفة جيش كثير. وقيل: هذا على جهة التشريف لهم، وأنهم بالمكان المكرم فهو عبارة عن قربهم في الكرامة لا في المسافة. { وَيُسَبِّحُونَهُ } أي ويعظمونه وينزهونه عن كل سوء. { وَلَهُ يَسْجُدُونَ } قيل: يصلون. وقيل: يَذِلّون، خلاف أهل المعاصي. الثانية ـ والجمهور من العلماء في أن هذا موضعُ سجود للقارىء. وقد ٱختلفوا في عدد سجود القرآن فأقصى ما قيل: خمس عشرة. أوّلها خاتمة الأعراف، وآخرها خاتمة العَلَق. وهو قول ٱبن حبيب وٱبن وهب ـ في رواية ـ وإسحاق. ومن العلماء من زاد سجدة الحِجْر قوله تعالى:وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } [الحجر: 98] على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. فعلى هذا تكون ست عشرة. وقيل: أربع عشرة قاله ابن وهب في الرواية الأُخرى عنه. فأسقط ثانية الحج. وهو قول أصحاب الرأي، والصحيح سقوطها لأن الحديث لم يصح بثبوتها. ورواه ابن ماجه وأبو داود في سننهما عن عبد الله بن مُنين من بني عبد كُلال عن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصّل، وفي الحج سجدتان. وعبد الله بن مُنين لا يحتج به قاله أبو محمد عبد الحق. وذكر أبو داود أيضاً من حديث " عقبة بن عامر قال قلت: يا رسول الله، أفي سورة الحج سجدتان؟. قال: «نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما» " في إسناده عبد الله بن لَهِيعة، وهو ضعيف جداً. وأثبتهما الشافعيّ وأسقط سجدة ص. وقيل: إحدى عشرة سجدة، وأسقط آخرة الحج وثلاث المفصل. وهو مشهور مذهب مالك. وروي عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما. وفي سنن ٱبن ماجه عن أبي الدرداء قال: سجدت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شيء، الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج سجدة والفرقان وسليمان سورة النمل والسجدة وصۤ وسجدة الحواميم. وقيل: عشر، وأسقط آخرة الحج وصۤ وثلاث المفصل ذُكر عن ابن عباس. وقيل: إنها أربع، سجدة آلۤم تنزيل وحم تنزيل والنجم والعلق. وسبب الخلاف اختلاف النقل في الأحاديث والعمل، واختلافهم في الأمر المجرّد بالسجود في القرآن، هل المراد به سجود التلاوة أو سجود الفرض في الصلاة؟ الثالثة ـ واختلفوا في وجوب سجود التلاوة فقال مالك والشافعيّ: ليس بواجب.

السابقالتالي
2 3