الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } * { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } حاجّهم في عبادة الأصنام «تَدْعُونَ» تعبدون. وقيل: تدعونها آلهة. «مِنْ دُونِ اللَّهِ» أي من غير الله. وسميت الأوثان عِباداً لأنها مملوكة لله مسخّرة. الحسن: المعنى أن الأصنام مخلوقة أمثالكم. ولما اعتقد المشركون أن الأصنام تضر وتنفع أجراها مجرى الناس فقال: { فَٱدْعُوهُمْ } ولم يقل فٱدعوهن. وقال: «عِبَادٌ»، وقال: «إنَّ الّذِينَ» ولم يقل إنّ الَّتي. ومعنى «فَٱدْعُوهُمْ» أي فاطلبوا منهم النفع والضر. { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أن عبادة الأصنام تنفع. وقال ابن عباس: معنى فادعوهم فٱعبدوهم. ثم وَبّخهم الله تعالى وسَفّه عقولهم فقال: { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } الآية. أي أنتم أفضل منهم فكيف تعبدونهم. والغرض بيان جهلهم لأنّ المعبود يتصف بالجوارح. وقرأ سعيد بن جبير: «إن الذين تدعون من دون الله عباداً أمثالكم» بتخفيف «إن» وكسرها لالتقاء الساكنين، ونصب «عبَاداً» بالتنوين، «أمثالَكم» بالنصب. والمعنى: ما الذين تدعون من دون الله عباداً أمثالكم، أي هي حجارة وخشب فأنتم تعبدون ما أنتم أشرف منه. قال النحاس: وهذه قراءة لا ينبغي أن يقرأ بها من ثلاث جهات: أحدها ـ أنها مخالفة للسّواد. والثانية ـ أن سيبويه يختار الرفع في خبر إنْ إذا كانت بمعنى ما، فيقول: إنْ زيد منطلق لأن عمل «ما» ضعيف، و «إنْ» بمعناها فهي أضعف منها. والثالثة ـ إن الكسائيّ زعم أن «إنْ» لا تكاد تأتي في كلام العرب بمعنى «ما»، إلا أن يكون بعدها إيجاب كما قال عز وجل: { إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ }. «فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ» الأصل أن تكون اللام مكسورة، فحذفت الكسرة لثقلها. ثم قيل: في الكلام حذف، المعنى: فادعوهم إلى أن يتّبعوكم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين أنهم آلهة. وقرأ أبو جعفر وشيبة { أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ } بضم الطاء، وهي لغة. واليد والرجل والأُذن مؤنثات يُصَغَّرْن بالهاء. وتزاد في اليد ياء في التصغير، تردّ إلى أصلها فيقال: يُدَيّة بالتشديد لاجتماع الياءين. قوله تعالى: { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ } أي الأصنام. { ثُمَّ كِيدُونِ } أنتم وهي. { فَلاَ تُنظِرُونِ } أي فلا تؤخرون. والأصل «كِيدُونِي» حذفت الياء لأن الكسرة تدل عليها. وكذا «فَلاَ تُنْظِرُونِ». والكيد المكر. والكيد الحرب يقال: غزا فلم يلق كيداً. { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ } أي الذي يتولَّى نصري وحفظي اللَّهُ. وولِيُّ الشيءِ: الذي يحفظه ويمنع عنه الضرر. والكتاب: القرآن. { وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } أي يحفظهم. وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاراً غير سر يقول: " ألا إنّ آل أبي ـ يعني فلاناً ـ ليسوا لي بأولياء إنما وَلِيِّي اللَّهُ وصالح المؤمنين " وقال الأخفش: وقرىء «إنّ ولِيِّ اللَّهِ الذي نزّل الكتابَ» يعني جبريل. النحاس. هي قراءة عاصم الجَحْدَرِيّ. والقراءة الأُولى أبْيَن لقوله: { وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ }.