الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

فيه سبع مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } قال جمهور المفسرين: المراد بالنفس الواحدة آدم. { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } يعني حوّاء. { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } ليأنس بها ويطمئن، وكان هذا كله في الجنة. ثم ابتدأ بحالة أُخرى هي في الدنيا بعد هبوطهما فقال: { فَلَماَّ تَغَشَّاهَا } كناية عن الوِقاع. { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } كلّ ما كان في بطن أو على رأس شجرة فهو حَملٌ بالفتح. وإذا كان على ظهر أو على رأس فهو حِمل بالكسر. وقد حكى يعقوب في حِمل النخلة الكَسْر. وقال أبو سعيد السيرافيّ: يقال في حمل المرأة حَمل وحِمل، يشبه مرّة لاستبطانه بحَمل المرأة، ومرّة لبُروزه وظهوره بحمل الدّابّة. والْحَمل أيضاً مصدر حَمَل عليه يحمِل حَملاً إذا صال. { فَمَرَّتْ بِهِ } يعني المنيّ أي استمرت بذلك الحمل الخفيف. يقول: تقوم وتقعد وتَقَلَّب، ولا تكترث بحمله إلى أن ثقل عن الحسن ومجاهد وغيرهما. وقيل: المعنى فاستمر بها الحمل، فهو من المقلوب كما تقول: أدخلت القَلَنْسوة في رأسي. وقرأ عبد الله ابن عمر «فَمَارَتْ بِهِ» بألف والتخفيف من مَار يَمُور إذا ذهب وجاء وتصرّف. وقرأ ابن عباس ويحيى ابن يَعْمَر «فَمَرَتْ بِهِ» خفيفة من المِرْيَة، أي شكّت فيما أصابها هل هو حمل أو مرض، أو نحو ذلك. الثانية ـ قوله تعالى: { فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ } صارت ذات ثقل كما تقول: أثمر النخل. وقيل: دخلت في الثقل كما تقول: أصبح وأمسى. { دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا } الضمير في «دَعَوَا» عائد على آدم وحوّاء. وعلى هذا القول ما رُوي في قصص هذه الآية أن حوّاء لما حملت أوّل حمل لم تدرِ ما هو. وهذا يقوِّي قراءة من قرأ «فَمَرَتْ بِهِ» بالتخفيف. فجزِعت لذلك فوجد إبليس السبيل إليها. قال الكلبيّ: إن إبليس أتى حوّاء في صورة رجل لما أثقلت في أوّل ما حملت فقال: ما هذا الذي في بطنك؟ قالت: ما أدري! قال: إني أخاف أن يكون بهيمة. فقالت ذلك لآدم عليه السلام. فلم يزالا في هَمٍّ من ذلك. ثم عاد إليها فقال: هو مِن الله بمنزلةٍ، فإن دعوتُ الله فولدتِ إنساناً أفتسمّينه بي؟ قالت نعم. قال: فإني أدعو الله. فأتاها وقد ولدت فقال: سمِّيه باسمي. فقالت: وما ٱسمك؟ قال: الحارث ـ ولو سَمَّى لها نفسه لعرفته ـ فسمته عبد الحارث. ونحو هذا مذكور من ضعيف الحديث، في الترمذِيّ وغيره. وفي الإسرائيليات كثير ليس لها ثبات فلا يعوِّل عليها من له قَلْبٌ، فإن آدم وحوّاء عليهما السلام وإن غرَّهما بالله الغَرُور فلا يُلدغ المؤمن من جُحْرٍ مرّتين، على أنه قد سُطِّر وكُتب. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3