الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } فيه أربع مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ } عجب من إعراضهم عن النظر في آياته ليعرفوا كمال قدرته، حسب ما بيناه في سورة «البقرة». والملكوت من أبنية المبالغة، ومعناه الملك العظيم. وقد تقدّم. الثانية ـ استدل بهذه الآية ـ وما كان مثلها من قوله تعالى: { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } وقولِهِ تعالى:أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا } [قۤ: 6] وقولهِ:أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } [الغاشية: 17] الآية. وقولهِ:وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [الذاريات: 21] ـ من قال بوجوب النظر في آياته والاعتبار بمخلوقاته. قالوا: وقد ذم الله تعالى من لم ينظر، وسلبهم الانتفاع بحواسهم فقال: { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } الآية. وقد اختلف العلماء في أوّل الواجبات، هل هو النظر والاستدلال، أو الإيمان الذي هو التصديق الحاصل في القلب الذي ليس من شرط صحته المعرفة. فذهب القاضي وغيره إلى أن أوّل الواجبات النظر والاستدلال لأن الله تبارك وتعالى لا يعلم ضرورة، وإنما يعلم بالنظر والاستدلال بالأدلة التي نصبها لمعرفته. وإلى هذا ذهب البخارِيّ رحمه الله حيث بوّب في كتابه باب العلم قبل القول والعمل لقول الله عز وجل:فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلأ ٱللَّهُ } [محمد: 19]. قال القاضي: من لم يكن عالماً بالله فهو جاهل، والجاهل به كافر. قال ابن رشد في مقدماته: وليس هذا بالبيّن لأن الإيمان يصح باليقين الذي قد يحصل لمن هداه الله بالتقليد، وبأوّل وهلة من الاعتبار بما أرشد الله إلى الاعتبار به في غير ما آية. قال: وقد استدل الباجِيّ على من قال إن النظر والاستدلال أوّل الواجبات بإجماع المسلمين في جميع الأعصار على تسمية العامة والمقلِّد مؤمنين. قال: فلو كان ما ذهبوا إليه صحيحاً لما صح أن يسمى مؤمناً إلا من عنده علم بالنظر والاستدلال. قال: وأيضاً فلو كان الإيمان لا يصح إلا بعد النظر والاستدلال لجاز للكفار إذا غلب عليهم المسلمون أن يقولوا لهم: لا يحل لكم قتلنا لأن من دينكم أن الإيمان لا يصح إلا بعد النظر والاستدلال فأخرونا حتى ننظر ونستدل. قال: وهذا يؤدّي إلى تركهم على كفرهم، وألا يقتلوا حتى ينظروا ويستدِلوا. قلت: هذا هو الصحيح في الباب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أُمِرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إلۤه إلاَّ الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " وترجم ابن المنذر في كتاب الأشراف ذكر صفة كمال الإيمان أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إذا قال: أشهد أن لا إلۤه إلاَّ الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأن كل ما جاء به محمد حق، وأبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام ـ وهو بالغ صحيح العقل ـ أنه مسلم.

السابقالتالي
2 3