الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } فيه ست مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } أمر بإخلاص العبادة لله، ومجانبة المشركين والملحِدين. قال مقاتل وغيره من المفسرين: نزلت الآية في رجل من المسلمين، كان يقول في صلاته: يا رحمن يا رحيم. فقال رجل من مشركي مكة: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربّاً واحداً، فما بال هذا يدعو ربين اثنين؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا }. الثانية ـ جاء في كتاب الترمذِيّ وسنن ابن ماجه وغيرهما حديث عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نص فيه أن للٰه تسعة وتسعين اسماً في أحدهما ما ليس في الآخر. وقد بينا ذلك في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى. قال ابن عطية ـ وذكر حديث الترمذِي ـ وذلك الحديث ليس بالمتواتر، وإن كان قد قال فيه أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صَفْوَان بن صالح، وهو ثقة عند أهل الحديث. وإنما المتواتر منه قوله صلى الله عليه وسلم: " إن لله تسعة وتسعين ٱسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة " ومعنى «أحصاها» عدّها وحفِظها. وقيل غير هذا مما بيناه في كتابنا. وذكرنا هناك تصحيح حديث الترمذيّ، وذكرنا من الأسماء ما اجتُمِع عليه وما اختُلف فيه مما وقفنا عليه في كتب أئمتنا ما يُنَيِّف على مائتي اسم. وذكرنا قبل تعيينها في مقدمة الكتاب اثنين وثلاثين فصلاً فيما يتعلق بأحكامها، فمن أراده وقف عليه هناك وفي غيره من الكتب الموضوعة في هذا الباب. والله الموفق للصواب، لا رب سِواه. الثالثة ـ واختلف العلماء من هذا الباب في الاسم والمسمى، وقد ذكرنا ما للعلماء من ذلك في الكتاب الأسنى. قال ابن الحصار: وفي هذه الآية وقوع الاسم على المسمى ووقوعه على التسمية. فقوله: { وَللَّهِ } وقع على المسمى، وقوله: { ٱلأَسْمَآءُ } وهو جمع ٱسم واقع على التسميات. يدل على صحة ما قلناه قوله: { فَٱدْعُوهُ بِهَا } ، والهاء في قوله: { فَٱدْعُوهُ } تعود على المسمى سبحانه وتعالى، فهو المدعوّ. والهاء في قوله «بهَا» تعود على الأسماء، وهي التسمِيات التي يدعى بها لا بغيرها. هذا الذي يقتضيه لسان العرب. ومثل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد " الحديثَ. وقد تقدّم في «البقرة» شيء من هذا. والذي يذهب إليه أهل الحق أن الاسم هو المسمى، أو صفة له تتعلق به، وأنه غير التسمية. قال ابن العربيّ عند كلامه على قوله تعالى { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ }: فيه ثلاثة أقوال. قال بعض علمائنا: في ذلك دليل على أن الاسم المسمى لأنه لو كان غيره لوجب أن تكون الأسماء لغير الله تعالى.

السابقالتالي
2 3