الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ }

ذكر أهل الكتاب قصة عرفوها في التوراة. وٱختُلف في تعيين الذي أوتي الآيات. فقال ابن مسعود وابن عباس: هو بَلْعَامُ بن باعُوراء، ويقال ناعم، من بني إسرائيل في زمن موسىٰ عليه السلام، وكان بحيث إذا نظر رأىٰ العرش. وهو المعني بقوله: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيۤ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا } ولم يقل آية، وكان في مجلسه اثنتا عشرة ألف مِحْبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه. ثم صار بحيث أنه كان أوّل من صنّف كتاباً في أن «ليس للعالم صانع». قال مالك بن دينار: بُعث بلعام بن باعوراء إلى مَلِك مَدْين ليدعوه إلى الإيمان فأعطاه وأقطعه فٱتبع دينه وترك دين موسىٰ ففيه نزلت هذه الآيات. روىٰ المُعْتَمِر بنُ سليمان عن أبيه قال: كان بلعام قد أوتي النّبوّة، وكان مجابَ الدعوة، فلما أقبل موسىٰ في بني إسرائيل يريد قتال الجبّارين، سأل الجبارون بلعام بن باعوراء أن يدعُوَ على موسىٰ فقام ليدعُوَ فتحوّل لسانه بالدعاء على أصحابه. فقيل له في ذلك فقال: لا أقدر على أكثر مما تسمعون وٱندلع لسانه على صدره. فقال: قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والخديعة والحيلة، وسأمكر لكم، فإني أرى أن تُخرجوا إليهم فتياتكم فإن الله يبغض الزنىٰ، فإن وقعوا فيه هلكوا ففعلوا فوقع بنو إسرائيل في الزنىٰ، فأرسل الله عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفاً، وقد ذكر هذا الخبر بكماله الثَّعْلبيّ وغيره. ورُوي أن بلعام بن باعوراء دعا ألا يدخل موسى مدينة الجبارين، فاستُجيب له وبقي في التِّيه. فقال موسىٰ: يا ربّ بأي ذنب بقينا في التِّيه. فقال: بدعاء بلعام. قال: فكما سمعت دعاءه عليّ فاسمع دعائي عليه. فدعا موسىٰ أن ينزع الله عنه الاسم الأعظم فسلخه الله ما كان عليه، وقال أبو حامد في آخر كتاب منهاج العارفين له: وسمعت بعض العارفين يقول إن بعض الأنبياء سأل الله تعالىٰ عن أمر بلعام وطرده بعد تلك الآيات والكرامات، فقال الله تعالىٰ: لم يشكرني يوماً من الأيام على ما أعطيته، ولو شكرني على ذلك مَرّة لما سلبته. وقال عكرمة: كان بلعام نبياً وأوتي كتاباً. وقال مجاهد: إنه أوتي النبوّة فرشاه قومه على أن يسكت ففعل وتركهم على ما هم عليه. قال الماوردِيّ: وهذا غير صحيح لأن الله تعالىٰ لا يصطفي لنبوّته إلا من علم أنه لا يخرج عن طاعته إلى معصيته. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وزيد بن أسلم: نزلت في أميّة بن أبي الصَّلْت الثَّقفِيّ، وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسِل رسولاً في ذلك الوقت، وتمنّىٰ أن يكون هو ذلك الرسول، فلما أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به.

السابقالتالي
2