الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

فيه ست مسائل: الأولىٰ ـ قوله تعالىٰ: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ } أي وٱذكر لهم مع ما سبق من تذكير المواثيق في كتابهم ما أخذتُ من المواثيق من العباد يوم الذّرّ. وهذه اية مشِكلة، وقد تكلم العلماء في تأويلها وأحكامها، فنذكر ما ذكروه من ذلك حسب ما وقفنا عليه. فقال قوم: معنىٰ الآية أن الله تعالىٰ أخرج من ظهور بني آدم بعضهم من بعض. قالوا: ومعنىٰ «أشْهَدَهُمْ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ» دلّهم بخلقه على توحيده لأن كل بالغ يعلم ضرورةً أن له ربَّاً واحداً. { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } أي قال: فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم، والإقرار منهم كما قال تعالىٰ في السموات والأرض.قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [فصلت: 11]. ذهب إلى هذا القَفّالُ وأطنب. وقيل: إنه سبحانه أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد، وأنه جعل فيها من المَعْرفة ما علمت به ما خاطبها. قلت: وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم غيرُ هذين القولين، وأنه تعالى أخرج الأشباح فيها الأرواح من ظهر آدم عليه السلام. وروىٰ مالك في موطَّئه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } فقال عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل عنها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «إن الله تعالىٰ خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذُرِّية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذُرِّية فقال خلقتُ هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون». فقال رجل: ففيم العمل؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا خلق العبد للجنة ٱستعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فُيدخلَه الجنة وإذا خلق العبد للنار ٱستعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار» " قال أبو عمر: هذا حديث منقطع الإسناد لأن مسلم بن يسار لم يَلْق عمر. وقال فيه يحيىٰ بن مَعين: مسلم بن يسار لا يُعرف، بينه وبين عمر نعيمُ بن ربيعة، ذكره النسائيّ، ونعيم غير معروف بحمل العلم. لكن معنىٰ هذا الحديث قد صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة كثيرة من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وعبد الله بن مسعود وعليّ بن أبي طالب وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين وغيرهم. روىٰ الترمِذِيّ وصححه عن أبي هريرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2 3 4