الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

فيه عشر مسائل: الأولىٰ ـ روىٰ يحيىٰ بن أبي كثير عن نَوْف البِكَالِيّ الحِمْيَريّ: لما ٱختار موسىٰ قومه سبعين رجلاً لميقات ربه قال الله تعالىٰ لموسىٰ: أن أجعل لكم الأرض مسجداً وطهوراً تصلون حيث أدركتكم الصلاة إلا عند مِرحاض أو حمّام أو قبر، واجعل السكِينة في قلوبكم، وأجعلكم تقرؤون التوراة عن ظهر قلوبكم، يقرأها الرجل منكم والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير. فقال ذلك موسىٰ لقومه، فقالوا: لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس، ولا نستطيع حمل السكِينة في قلوبنا، ونريد أن تكون كما كانت في التابوت، ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهر قلوبنا، ولا نريد أن نقرأها إلا نظراً. فقال الله تعالىٰ: { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } ـ إلى قوله ـ { ٱلْمُفْلِحُونَ }. فجعلها لهذه الأمة. فقال موسىٰ: يا رب، ٱجعلني نبيّهم. فقال: نبيهم منهم. قال: رب ٱجعلني منهم. قال: إنك لن تدركهم. فقال موسىٰ: يا رب، أتيتك بوفد بني إسرائيل، فجعلت وفادتنا لغيرنا. فأنزل الله عز وجل:وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [الأعراف: 159]. فرضي موسىٰ. قال نَوْف: فٱحمدوا الله الذي جعل وفادة بني إسرائيل لكم. وذكر أبو نعيم أيضاً هذه القصة من حديث الأوزاعيّ قال: حدّثنا يحيىٰ بن أبي عمرو السّيْبَاني قال حدثني نَوْف البِكالي إذا افتتح موعظة قال: ألا تحمدون ربكم الذي حفظ غيبتكم وأخذ لكم بعد سهمكم وجعل وفادة القوم لكم. وذلك أن موسىٰ عليه السلام وفَد ببني إسرائيل فقال الله لهم: إني قد جعلت لكم الأرض مسجداً حيثما صليتم فيها تقبلت صلاتكم إلا في ثلاثة مواطن من صلىٰ فيهن لم أقبل صلاته المقبرة والحمام والمرحاض. قالوا: لا، إلا في الكنيسة. قال: وجعلت لكم التراب طهوراً إذا لم تجدوا الماء. قالوا: لا، إلا بالماء. قال: وجعلت لكم حيثما صلىٰ الرجل فكان وحده تقبلت صلاته. قالوا: لا، إلا في جماعة. الثانية: قوله تعالىٰ: { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ } هذه الألفاظ كما ذكرنا أخرجت اليهود والنصارىٰ من الاشتراك الذي يظهر في قوله: { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } وخلصت هذه العِدة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم قاله ابن عباس وابن جبير وغيرهما. و «يَتَّبِعُونَ» يعني في شرعه ودينه وما جاء به. والرسول والنبيّ اسمان لمعنيين فإن الرسول أخصُّ من النبيّ. وقدّم الرسول اهتماماً بمعنىٰ الرسالة وإلاّ فمعنىٰ النبوة هو المتقدّم ولذلك " ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على البَرَاء حين قال: وبرسولك الذي أرسلت. فقال له: «قل آمنت بنبيك الذي أرسلت» " خرّجه في الصحيح. وأيضاً فإن في قوله: «وبرسولك الذي أرسلت» تكرير الرسالة وهو معنىٰ واحد فيكون كالحشو الذي لا فائدة فيه.

السابقالتالي
2 3