الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ }

قوله تعالى: { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ } أي سكن. وكذلك قرأها معاوية بن قُرَّة «سكن» بالنون. وأصل السكوت السكون والإمساك يقال: جرى الوادي ثلاثاً ثم سكن، أي أمسك عن الجَرْي. وقال عِكْرمة: سكت موسى عن الغضب فهو من المقلوب. كقولك: أدخلت الأصبع في الخاتم، وأدخلت الخاتم في الأصبع. وأدخلت القَلَنْسُوَة في رأسي، وأدخلت رأسي في القلنسوة. { أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ } التي ألقاها. { وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ } أي «هُدًى» من الضلالة «وَرَحْمَةٌ» أي من العذاب. والنسخ: نقل ما في كتاب إلى كتاب آخر. ويقال للأصل الذي كتبتَ منه: نسخة، وللفرع نسخة. فقيل: لما تكسّرت الألواح صام موسى أربعين يوماً، فرُدّت عليه وأُعيدت له تلك الألواح في لوحين، ولم يفقد منها شيئاً ذكره ابن عباس. قال القُشَيْرِيّ: فعلى هذا «وَفِي نُسْخَتهَا» أي وفيما نسخ من الألواح المتكسّرة ونُقل إلى الألواح الجديدة هدًى ورحمةٌ. وقال عطاء: وفيما بقي منها. وذلك أنه لم يبق منها إلا سبعها، وذهب ستّة أسباعها. ولكن لم يذهب من الحدود والأحكام شيء. وقيل: المعنى «وَفِي نُسْخَتَها» أي وفيما نُسخ له منها من اللوح المحفوظ هُدًى. وقيل: المعنى وفيما كتب له فيها هدًى ورحمةٌ، فلا يحتاج إلى أصل ينقل عنه. وهذا كما يقال: انسخْ ما يقول فلان، أي ٱثبته في كتابك. قوله تعالى: { لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } أي يخافون. وفي اللام ثلاثة أقوال: قول الكوفيين هي زائدة. قال الكِسائِيّ: حدّثني من سمِع الفرزدق يقول: نقدت لها مائة درهم، بمعنى نقدتها. وقيل: هي لام أجْل المعنى: والذين هم من أجل ربّهم يرهبون لا رياء ولا سمعة عن الأخفش. وقال محمد بن يزيد: هي متعلقة بمصدر المعنى: للذين هم رهبتهم لربهم. وقيل: لما تقدّم المفعول حسن دخول اللام كقوله:إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف: 43]. فلما تقدّم المعمول وهو المفعول ضَعُف عملُ الفعل فصار بمنزلة ما لا يتعدَّى.