الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ }

فيه خمس مسائل: الأُولى ـ روى إسرائيل عن سِمَاك عن نَوْف الشاميّ قال: مكث موسى صلى الله عليه وسلم في آل فرعون بعد ما غلب السحرةَ أربعين عاماً. وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن مِنجاب: عشرين سنة، يريهم الآيات: الجراد والقُمَّل والضفادع والدّم. الثانية ـ قوله تعالى: { ٱلطُّوفَانَ } أي المطر الشديد حتى عامُوا فيه. وقال مجاهد وعطاء: الطوفان الموت قال الأخفش: واحدته طوفانة. وقيل: هو مصدر كالرُّجْحَان والنُّقْصان فلا يطلب له واحد. قال النحاس: الطوفان في اللغة ما كان مُهْلِكاً من موت أو سَيْل أي ما يطيف بهم فيهلكهم. وقال السُّدِّي: ولم يُصِب بني إسرائيل قطرةٌ من ماء، بل دخل بيوتَ القبط حتى قاموا في الماء إلى تَراقِيهم، ودام عليهم سبعةَ أيام. وقيل: أربعين يوماً. فقالوا: ٱدع لنا ربك يكشف عنا فنؤمن بك فدعا ربه فرفع عنهم الطوفان فلم يؤمنوا. فأنبت الله لهم في تلك السنة ما لم يُنبته قبل ذلك من الكلأ والزرع. فقالوا: كان ذلك الماء نعمة فبعث الله عليهم الجراد وهو الحيوان المعروف، جمع جرادة في المذكر والمؤنث. فإن أردت الفصل نعتَّ فقلت رأيت جرادة ذكراً ـ فأكل زروعهم وثمارهم حتى أنها كانت تأكل السقوف والأبواب حتى تنهدِم ديارهم. ولم يدخل دُور بني إسرائيل منها شيء. الثالثة ـ وٱختلف العلماء في قتل الجراد إذا حَلّ بأرض فأفسد فقيل: لا يقتل. وقال أهل الفقه كلهم: يُقتل. ٱحتج الأوّلون بأنه خَلْق عظيم من خلق الله يأكل من رزق الله ولا يَجْرِي عليه القلم. وبما روي: " لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظمُ " وٱحتج الجمهور بأن في تركها فساد الأموال، وقد رخص النبيّ صلى الله عليه وسلم بقتال المسلم إذا أراد أخذ ماله فالجراد إذا أرادت فساد الأموال كانت أولى أن يجوز قتلها. ألا ترى أنهم قد ٱتفقوا على أنه يجوز قتل الحية والعقرب؟ لأنهما يؤذيان الناس فكذلك الجراد. روى ٱبن ماجه عن جابر وأنس بن مالك " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا على الجراد قال: «اللَّهُمّ أهلك كباره وٱقتل صغاره وأفسده بيضه وٱقطع دابره وخُذْ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء». قال رجل: يا رسول الله، كيف تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره؟ قال: «إن الجراد نَثَرة الحوت في البحر» ". الرابعة ـ ثبت في صحيح مسلم " عن عبد الله بن أبي أَوْفَى قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات كنا نأكل الجراد معه " ولم يختلف العلماء في أكله على الجملة، وأنه إذا أخذ حيّاً وقطعت رأسه أنه حلال باتفاق.

السابقالتالي
2 3