الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ } * { لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ } * { ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ }

قوله تعالى: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ } «تقوّل» أي تكلف وأتى بقول من قِبَل نفسه. وقرىء «وَلَوْ تُقُوِّلَ» على البناء للمفعول. { لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ } أي بالقوة والقدرة، أي لأخذناه بالقوّة. و «من» صلة زائدة. وعبر عن القوّة والقدرة باليمين لأن قوّة كل شيء في ميامنه، قال القُتَبيّ. وهو معنى قول ابن عباس ومجاهد. ومنه قول الشماخ:
إذا ما رايةٌ رُفعتْ لِمَجْدٍ   تلقّاها عَرَابة باليمين
أي بالقوّة. عرابة اسم رجل من الأنصار من الأوس. وقال آخر:
ولمَّا رأيتُ الشمس أشرق نورُها   تناولتُ منها حاجتي بيميني
وقال السّديّ والحكم: «باليمين» بالحق. وقال:
تلقّـاها عَـرَابةُ باليميـن   
أي بالاستحقاق. وقال الحسن: لقطعنا يده اليمين. وقيل: المعنى لقبضنا بيمينه عن التصرف قاله نَفْطَوَيْه. وقال أبو جعفر الطبري: إن هذا الكلام خرج مخرج الإذلال على عادة الناس في الأخذ بيد من يعاقَب. كما يقول السلطان لمن يريد هَوَانَه: خذوا يديه. أي لأمرنا بالأخذ بيده وبالغنا في عقابه. { ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } يعني نِياط القلب أي لأهلكناه. وهو عِرْقٌ يتعلّق به القلب إذا انقطع مات صاحبه قاله ابن عباس وأكثر الناس. قال:
إذا بَلّغْتنِيِ وحَمَلْتِ رحْلِي   عَرَابةَ فاشْرَقي بدَمِ الوَتِين
وقال مجاهد: هو حبل القلب الذي في الظهر وهو النخاع فإذا انقطع بطلت القوى ومات صاحبه. والمَوْتون الذي قُطع وَتِينه. وقال محمد بن كعب: إنه القلب ومَرَاقّه وما يليه. قال الكلبيّ: إنه عرق بين العِلباء والحلقوم. والعلباء: عصب العنق. وهما علباوان بينهما ينبت العرق. وقال عكرمة: إن الوتين إذا قُطع لا ان جاع عَرَف، ولا إن شَبِع عَرَف.