الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } * { وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } * { وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ }

قوله تعالى: { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } أي قامت القيامة. { وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ } أي ٱنصدعتْ وتفطّرت. وقيل: تنشق لنزول ما فيها من الملائكة دليله قوله تعالى:وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } [الفرقان:25] وقد تقدم. { فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } أي ضعيفة. يقال: وَهَى البناء يَهِي وَهْياً فهو واهٍ إذا ضَعُف جدًّا. ويقال: كلامٌ وَاهٍ أي ضعيف. فقيل: إنها تصير بعد صلابتها بمنزلة الصوف في الوَهْي ويكون ذلك لنزول الملائكة كما ذكرنا. وقيل: لهول يوم القيامة. وقيل: { وَاهِيَةٌ } أي متخرّقة قاله ابن شجرة. مأخوذ من قولهم: وهَى السقاء إذا تخرّق. ومن أمثالهم:
خَلِّ سبيلَ من وَهَى سِقاؤه   ومن هُرِيق بالفلاة ماؤه
أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه. { وَٱلْمَلَكُ } يعني الملائكة اسم للجنس. { عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ } أي على أطرافها حين تنشق لأن السماء مكانهم عن ابن عباس. الماوردِيّ: ولعله قول مجاهد وقتادة. وحكاه الثعلبيّ عن الضحاك، قال: على أطرافها مما لم ينشق منها. يريد أن السماء مكان الملائكة فإذا انشقت صاروا في أطرافها. وقال سعيد بن جُبَير: المعنى والمَلَكُ على حافات الدنيا أي ينزلون إلى الأرض ويحرسون أطرافها. وقيل: إذا صارت السماء قِطَعاً تقف الملائكة على تلك القطع التي ليست متشققة في أنفسها. وقيل: إن الناس إذا رأوا جهنم هالتهم فَينِدُّوا كما تَنِدّ الإبل، فلا يأتون قُطْراً من أقطار الأرض إلا رأوا ملائكة فيرجعون من حيث جاءوا. وقيل: { عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ } ينتظرون ما يؤمرون به في أهل النار من السَّوق إليها، وفي أهل الجنة من التّحية والكرامة. وهذا كله راجع إلى معنى قول ابن جُبير. ويدل عليه:وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } وقوله تعالى:يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [الرحمن:33] على ما بيناه هناك. والأرجاء النواحي والأقطار بلغة هذيل، واحدها رَجاً مقصور، وتثنيته رَجَوان مثل عَصاً وعَصَوان. قال الشاعر:
فلا يُرْمَى بِيَ الرَّجَوَان أنّي   أقلُّ القومِ مَن يُغْنِي مكانِي
ويقال ذلك لحرف البئر والقبر. قوله تعالى: { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } قال ابن عباس: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله. وقال ابن زيد: هم ثمانية أملاك. وعن الحسن: الله أعلم كم هم، ثمانية أم ثمانية آلاف. وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم " أن حملة العرش اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله تعالى بأربعة آخرين فكانوا ثمانية " ذكره الثعلبيّ. وخَرّجه الماورديّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحمله اليوم أربعة وهم يوم القيامة ثمانية " وقال العباس بن عبد الملك: هم ثمانية أملاك على صورة الأوعال. ورواه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث:

السابقالتالي
2