الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } * { بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }

قوله تعالى: { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } قال ابن عباس: معناه فستعلم ويعلمون يوم القيامة. وقيل: فسترى ويرون يوم القيامة حين يتبين الحقّ والباطل. { بِأَيِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } الباء زائدة أي فستبصر ويبصرون أيكم المفتون. أي الذي فُتِن بالجنون كقوله تعالى:تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [المؤمنون:20] ويَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } [الإنسان:6] وهذا قول قتادة وأبي عُبيد والأخفش. وقال الراجز:
نحن بنو جَعْدَة أصحاب الفَلَج   نضرب بالسيف ونرجو بالفَرَج
وقيل: الباء ليست بزائدة والمعنى: { بِأَيِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } أي الفتنة. وهو مصدر على وزن المفعول، ويكون معناه الفُتُون كما قالوا: ما لفلان مجلود ولا معقول أي عقل ولا جلادة. وقاله الحسن والضحاك وابن عباس. وقال الراعي:
حتى إذا لم يتركوا لعظامه   لحماً ولا لفؤاده معقولا
أي عقلاً. وقيل في الكلام تقدير حذف مضاف والمعنى: بأيكم فتنة المفتون. وقال الفرّاء: الباء بمعنى في أي فستبصِر ويبصرون في أي الفريقين المجنون أبا لِفِرْقة التي أنت فيها من المؤمنين أم بالْفِرقة الأخرى. والمفتون: المجنون الذي فتنه الشيطان. وقيل: المفتون المعذَّب. من قول العرب: فتنت الذهب بالنار إذا حَمّيته. ومنه قوله تعالى:يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [الذاريات:13] أي يعذّبون. ومعظم السورة نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل. وقيل: المفتون هو الشيطان لأنه مفتون في دينه. وكانوا يقولون: إن به شيطاناً، وعَنَوْا بالمجنون هذا فقال الله تعالى: فسيعلمون غداً بأيهم المجنون أي الشيطان الذي يحصل من مسّه الجنون واختلاط العقل. { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ } أي إن الله هو العالم بمن حاد عن دينه. { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } أي الذين هم على الهدى فيجازِي كُلاًّ غداً بعمله.