الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ }

فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ } قال أشهب عن مالك: يخرج عنها إذا طلّقها ويتركها في المنزل لقوله تعالى: { أَسْكِنُوهُنَّ }. فلو كان معها ما قال أسكنوهن. وقال ابن نافع: قال مالك في قول الله تعالى: { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم }. يعني المطلقات الّلاتي بِنَّ من أزواجهن فلا رَجْعَة لهم عليهن وليست حاملا، فلها السُّكْنى ولا نفقة لها ولا كسوة، لأنها بائن منه، لا يتوارثان ولا رجعة له عليها. وإن كانت حاملاً فلها النفقة والكسوة والمسكن حتى تنقضي عِدّتها. فأما من لم تَبِنْ فإنهن نساؤهم يتوارثون، ولا يخرجن إلا أن يأذن لهن أزواجهن ما كُنّ في عِدتهن، ولم يؤمروا بالسكنى لهن لأن ذلك لازم لأزواجهن مع نفقتهن وكسوتهن، حوامل كن أو غير حوامل. وإنما أمر الله بالسكنى للاّئى بِنّ من أزواجهن مع نفقتهن، قال الله تعالى: { وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فجعل عز وجل للحوامل اللائي قد بِنّ من أزواجهن السكنى والنفقة. قال ابن العربي: وبَسْطُ ذلك وتحقيقه أن الله سبحانه لما ذكر السّكْنَى أطلقها لكل مطلَّقة، فلما ذكر النفقة قيّدها بالحمل، فدّل على أن المطلقة البائن لا نفقة لها. وهي مسألة عظيمة قد مَهدنا سُبُلَها قرآنا وسُنَّةً ومعنى في مسائل الخلاف. وهذا مأخذها من القرآن. قلت: اختلف العلماء في المطلقة ثلاثاً على ثلاثة أقوال، فمذهب مالك والشافعيّ: أن لها السكنى ولا نفقة لها. ومذهب أبي حنيفة وأصحابه: أن لها السكنى والنفقة. ومذهب أحمد وإسحاق وأبي ثَوْر: أن لا نفقة لها ولا سكنى، على: " حديث فاطمة بنت قيس، قالت: دخلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي أخو زوجي فقلت: إن زوجي طلقني وإن هذا يزعم أن ليس لي سكنى ولا نفقة؟ قال:«بل لكِ السُّكْنَى ولكِ النفقة». قال: إن زوجها طلّقها ثلاثاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما السكنى والنفقة على من له عليها الرجعة». فلما قدمتُ الكوفة طلبني الأسود بن يزيد ليسألني عن ذلك، وإن أصحاب عبد الله يقولون: إن لها السكنى والنفقة " خرّجه الدَّارَقُطْنِيّ. ولفظ مسلم عنها: " أنه طلّقها زوجها في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان أنفق عليها نفقة دُونٍ، فلما رأت ذلك قالت: والله لأُعْلِمَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لي نفقة أخذت الذي يصلحني وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ شيئاً. قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«لا نفقة لكِ ولا سكْنى» " وذكر الدارَقُطْنيّ عن الأسود قال: قال عمر لما بلغه قول فاطمة بنت قيس: لا نجيز في المسلمين قول امرأة.

السابقالتالي
2 3