الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

ضرب مَثَلاً لليهود لما تركوا العمل بالتوراة ولم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم. { حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } أي كُلّفوا العمل بها عن ابن عباس. وقال الجُرجاني: هو من الحَمَالة بمعنى الكفالة أي ضمنوا أحكام التوراة. { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } هي جمع سِفْر، وهو الكتاب الكبير لأنه يسفر عن المعنى إذا قرىء. قال مَيمون بن مِهْران: الحمار لا يدري أسِفْر على ظهره أم زبِيل فهكذا اليهود. وفي هذا تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه لئلا يلحقه من الذّم ما لحق هؤلاء. وقال الشاعر:
زوامل للأسفار لا علم عندهم   بجيّدها إلا كعِلْم الأباعر
لَعْمرُك ما يدري البعيرُ إذا غَدَا   بأوساقه أو راح ما في الغرائر
وقال يحيى بن يمان: يكتب أحدهم الحديث ولا يتفّهم ولا يتدبّر، فإذا سئل أحدهم عن مسألة جلس كأنه مكاتب. وقال الشاعر:
إن الرواة على جهل بما حَمَلوا   مِثْلُ الجمال عليها يُحمل الوَدَعُ
لا الوَدْع ينفعه حمل الجمال له   ولا الجمال بحمل الوَدْع تنتفعُ
وقال منذر بن سعيد الَبلّوطي رحمه الله فأحسن:
انْعِقْ بما شئت تجد أنصارَا   وزُمّ أسفاراً تجد حمارا
يحمل ما وضعت من أسفارِ   يحمله كمثل الحمار
يَحملُ أسفاراً له وما دَرَى   إن كان ما فيها صواباً وخطا
إن سُئلوا قالوا كذا رَوَيْنا   ما إن كَذَبْنا ولا أعتديْنا
كبيرهم يصغر عند الحَفْلِ   لأنه قَلّد أهل الجهل
{ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } أي لم يعملوا بها. شبههم ـ والتوراة في أيديهم وهم لا يعملون بها ـ بالحمار يحمل كتباً وليس له إلا ثِقْل الحِمل من غير فائدة. و «يحمل» في موضع نصب على الحال أي حاملاً. ويجوز أن يكون في موضع جر على الوصف لأن الحمار كاللئيم. قال:
ولقـد أمُـرُّ على اللئـيم يَسُـبنّي   
{ بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ } المثل الذي ضربناه لهم فحذف المضاف. { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } أي من سبق في علمه أنه يكون كافراً.