الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

فيه سبع عشرة مسألة: الأولى ـ: قوله تعالى: { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة، فجاءت عِيرٌ من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا ـ في رواية أنا فيهم ـ فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً }. في رواية: فيهم أبو بكر وعمر وقد ذكر الكلبِيّ وغيره: أن الذي قدِم بها دِحْيَة بن خليفة الكلبي من الشام عند مجاعة وغلاءِ سعر، وكان معه جميع ما يحتاج الناس من بُرّ ودقيق وغيره، فنزل عند أحجار الزيت، وضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فخرج الناس إلا اثني عشر رجلا. وقيل: أحد عشر رجلا. قال الكلبي: وكانوا في خطبة الجمعة فانفضوا إليها، وبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية رجال حكاه الثعلبي عن ابن عباس، وذكر الدَّارَقُطْنيّ من حديث جابر بن عبد الله قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا يوم الجمعة إذ أقبلت عِير تحمل الطعام حتى نزلت بالبقيع فالتفتوا إليها وانفضوا إليها وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معه إلا أربعون رجلا أنا فيهم. قال: وأنزل الله عز وجل على النبيّ صلى الله عليه وسلم { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً }. قال الدَّارَقُطْنيّ: لم يقل في هذا الإسناد «إلا أربعين رجلا» غيرُ عليّ بن عاصم عن حُصين، وخالفه أصحاب حُصين فقالوا: لم يبق مع النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا. وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " والذي نفسي بيده لو خرجوا جميعا لأضرم الله عليهم الوادي ناراً " ذكره الزَّمَخْشرِيّ. وروي في حديث مرسلٍ أسماء الاثني عشر رجلاً، رواه اسد بن عمرو والد أسار بن موسى بن أسد. وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق معه إلا أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجَرّاح، وسعيد بن زيد وبلال، وعبد الله ابن مسعود في إحدى الروايتين. وفي الرواية الأخرى عَمّار بن ياسِر. قلت: لم يذكر جابراً وقد ذكر مسلم أنه كان فيهم والدَّارَقُطْنيّ أيضاً. فيكونون ثلاثة عشر. وإن كان عبد الله بن مسعود فيهم فهم أربعة عشر. وقد ذكر أبو داود في مراسيله السبب الذي ترخّصوا لأنفسهم في ترك سماع الخطبة، وقد كانوا خليقاً بفضلهم ألا يفعلوا فقال: حدّثنا محمود بن خالد قال حدّثنا الوليد قال أخبرني أبو معاذ بكر ابن معروف أنه سمع مقاتل بن حَيّان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين، حتى كان يوم جمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، وقد صلّى الجمعة فدخل رجل فقال: إن دِحْيَة بن خليفة الكَلْبي قدم بتجارة، وكان دِحيَة إذا قدم تلقّاه أهله بالدِّفاف فخرج الناس فلم يظنّوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء فأنزل الله عز وجل: { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9