الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّٰتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ لأَيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

فيه سبع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } أي المطر. { فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } أي كل صِنف من النبات. وقيل: رزق كل حيوان. { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً } قال الأخفش: أي أخضر كما تقول العرب: أرِينها نمرة أرِكْها مِطرة. والخِضر رطب البقول. وقال ابن عباس: يريد القمح والشعير والسُّلت والذّرة والأرز وسائر الحبوب. { نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً } أي يُركّب بعضه على بعض كالسنبلة. الثانية: قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ } ابتداء وخبر. وأجاز الفرّاء في غير القرآن «قِنْواناً دانيةً» على العطف على ما قبله. قال سيبويه: ومن العرب من يقول: قُنوان. قال الفرّاء: هذه لغة قيس، وأهل الحجاز يقولون: قِنوان، وتميم يقولون: قنيان ثم يجتمعون في الواحد فيقولون: قِنْوٌ وقَنْوٌ. والطَّلْع الكُفُرَّى قبل أن ينشق عن الإغريض. والإغريض يسمى طلعاً أيضاً. والطلع ما يُرى من عِذْق النخلة. والقِنوان: جمع قِنو، وتثنيته قِنْوان كصِنو وصِنوانِ بكسر النون. وجاء الجمع على لفظ الاثنين. قال الجوهري وغيره: الاثنان صِنوانِ والجمع صنوانُ برفع النون. والقِنْو: العذْق والجمع القِنوان والأقناء قال:
طويلـة الأَقْنــاء والأثاكِــلِ   
غيره: «أقناء» جمع القلة. قال المهدوِيّ: قرأ ابن هُرْمز «قَنوان» بفتح القاف، وروي عنه ضمها. فعلى الفتح هو اسم للجمع غير مُكَسّر، بمنزلة ركب عند سيبويه، وبمنزلة الباقِر والْجَامِل لأن فعلان ليس من أمثلة الجمع، وضمّ القاف على أنه جمع قِنو وهو العِذق بكسر العين وهي الكباسة، وهي عنقود النخلة. والعَذْق بفتح العين النخلة نفسُها. وقيل: القِنوان الجُمّار. { دَانِيَةٌ } قريبة، ينالها القائم والقاعد. عن ابن عباس والبَرَاء بن عازب وغيرهما. قال الزجاج: منها دانِية ومنها بعيدة فحذف ومثلهسَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [النحل: 81]. وخصّ الدانية بالذكر، لأن من الغرض في الآية ذكر القدرة والامتنان بالنعمة، والامتنانُ فيما يقربُ متناوَلُه أكثر. الثالثة: قوله تعالى: { وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ } أي وأخرجنا جنات. وقرأ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والأعمش، وهو الصحيح من قراءة عاصم «وجناتٌ» بالرفع. وأنكر هذه القراءةَ أبو عبيد وأبو حاتم، حتى قال أبو حاتم: هي محال لأن الجنات لا تكون من النخل. قال النحاس: والقراءة جائزة، وليس التأويل على هذا، ولكنه رفع بالابتداء والخبرُ محذوف أي ولهم جنات. كما قرأ جماعة من القرّاء «وَحُورٌ عِينٌ». وأجاز مثل هذا سيبويه والكِسائيّ والفرّاء ومثله كثير. وعلى هذا أيضاً «وحُوراً عِيناً» حكاه سيبويه، وأنشد:
جئْنِي بمثلِ بنِي بَدْرٍ لقومهم   أو مثلَ أُسْرةِ مَنْظورِ بن سيّارِ
وقيل: التقدير «وجنات من أعناب» أخرجناها كقولك: أكرمت عبد الله وأخوه، أي وأخوه أكرمت أيضاً. فأمّا الزيتون والرمّان فليس فيه إلا النصب للإجماع على ذلك.

السابقالتالي
2 3 4