الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَأَنْ أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ وَٱتَّقُوهُ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

قوله تعالى: { قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا } أي ما لا ينفعنا إن دعوناه. { وَلاَ يَضُرُّنَا } إن تركناه يريد الأصنام. { وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ } أي نرجع إلى الضلالة بعد الهدى. وواحد الأعقاب عقِب وهو مؤنث وتصغيره عقيبة. يقال: رجع فلان على عقِبيه إذا أدبر. قال أبو عبيدة: يقال لمن ردّ عن حاجته ولم يظفر بها: قد ردّ على عقبيه. وقال المبرد: معناه تعقب بالشر بعد الخير. وأصله من العاقبة والعقبى وهما ما كان تالياً للشيء واجباً أن يتبعه ومنه { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }. ومنه عَقِب الرِّجل. ومنه العقوبة، لأنها تالية للذنب، وعنه تكون. قوله تعالى: { كَٱلَّذِي } الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف. { ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ } أي استغوته وزيّنت له هواه ودعته إليه. يقال: هَوَى يَهْوِي إلى الشيء أسرع إليه. وقال الزجاج: هو من هَوِيَ يَهْوَى، مِن هَوَى النفس أي زَيّن له الشيطان هواه. وقراءة الجماعة «استهوته» أي هوت به، على تأنيث الجماعة. وقرأ حمزة «استهواه الشياطين» على تذكير الجمع. وروي عن ابن مسعود «استهواه الشيطان»، وروي عن الحسن، وهو كذلك في حرف أبَيّ. ومعنى «ٱئتنا» تابعنا. وفي قراءة عبد الله أيضاً «يَدعُونه إلى الهُدَى بَيِّناً». وعن الحسن أيضاً «استهوته الشياطون». { حَيْرَان } نصب على الحال، ولم ينصرف لأن أنثاه حيرى كسكران وسكرى وغضبان وغضبى. والحَيْرَانُ هو الذي لا يهتدِي لجهة أمره. وقد حار يَحار حَيْراً وحَيْرَة وحَيْرُورة، أي تردّد. وبه سُمِّي الماء المستنقع الذي لا منفذ له حائراً، والجمع حُورَان. والحائر الموضع الذي يتحير فيه الماء. قال الشاعر:
تَخْطُو على بَرْدِيّتَيْن غذاهما   غَدِقٌ بساحة حائرٍ يَعْبُوبُ
قال ابن عباس: أي مَثَل عابد الصنم مثل من دعاه الغُول فيتبعه فيُصبح وقد ألقته في مَضَلّة ومَهْلَكة فهو حائر في تلك المَهامِة. وقال في رواية أبي صالح: نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق، كان يدعو أباه إلى الكفر وأبواه يدعوانه إلى الإسلام والمسلمون وهو معنى قوله: { لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى } فيأبى. قال أبو عمر: أمُّه أمُّ رُومانَ بنت الحارث بن غَنْم الكنانية فهو شقيق عائشة. وشهِد عبد الرحمن بن أبي بكر بَدْراً وأُحُداً مع قومه وهو كافر، ودعا إلى البراز فقام إليه أبوه ليبارزه فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له «مَتِّعْنِي بنفسك». ثم أسلم وحسُن إسلامه، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم في هُدْنَة الحُدَيْبِيَة. هذا قول أهل السِّيَر. قالوا: كان ٱسمه عبدَ الكعبة فغيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمَه عبد الرحمن، وكان أسنَّ ولد أبي بكر. ويقال: إنه لم يدرك النبيّ صلى الله عليه وسلم أربعةٌ وِلاءً: أبٌ وبنوه إلا أبا قُحافة وابنَه أبا بكر وٱبنَه عبد الرحمن بن أبي بكر وابنَه أبا عتيق محمد بن عبد الرحمن، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3