الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ }

فيه ثلاث مسائل: الأولى: جاء في الخبر أن هذه الآية لما نزلت نزل معها اثنا عشر ألف مَلَك. وروى البخارِيّ عن ٱبن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " مفاتح الغيب خمسٌ لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما تَغِيض الأرحام إلا الله ولا يعلم ما في غدٍ إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله ولا تدري نفس بأيّ أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله " وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غدٍ فقد أعظم على الله الفِرْية والله تعالى يقول: { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَاواتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ }. ومفاتح جمع مَفْتَح، هذه اللغة الفصيحة. ويقال: مفتاح ويجمع مفاتيح. وهي قراءة ابنِ السَّمَيْقَع «مفاتِيح». والمِفتح عبارة عن كل ما يَحُلّ غَلقَا، محسوسا كان كالقُفْل على البيت أو معقولا كالنظر. وروى ابن ماجه في سننه وأبو حاتم البُسْتيّ في صحيحه عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ من الناس مفاتيحَ للخير مَغَالِيق للشرّ وإن من الناس مفاتيحَ للشرّ مغالِيق للخير فطُوبَى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويْلٌ لمن جعل الله مفاتيحَ الشرّ على يديه " وهو في الآية استعارة عن التوصُّل إلى الغيوب كما يتوصّل في الشاهد بالمفتاح إلى المغيب عن الإنسان ولذلك قال بعضهم: هو مأخوذ من قول الناس افتح عليّ كذا أي أعطني أو علّمني ما أتوصل إليه به. فالله تعالى عنده علم الغيب، وبيده الطرق الموصّلة إليه، لا يملكها إلا هو، فمن شاء إطلاعه عليها أطلعه، ومن شاء حجبه عنها حجبه. ولا يكون ذلك من إفاضته إلا على رسله بدليل قوله تعالى:وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ } وقال: { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً } { إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ }. الآية وقيل: المراد بالمفاتح خزائن الرزق عن السُّدِّي والحسن. مُقاتِل والضحّاك: خزائن الأرض. وهذا مجاز، عبّر عنها بما يتوصّل إليها به. وقيل: غير هذا مما يتضمنه معنى الحديث أي عنده الآجال ووقت ٱنقضائها. وقيل: عواقب الأعمار وخواتم الأعمال إلى غير هذا من الأقوال. والأوّل المختار. والله أعلم. الثانية ـ: قال علماؤنا: أضاف سبحانه علم الغيب إلى نفسه في غير ما آيةٍ من كتابه إلا من ٱصطفى من عباده. فمن قال: إنه ينزّل الغَيْث غدا وجزم فهو كافر، أخبر عنه بأمارة ٱدّعاها أم لا. وكذلك من قال: إنه يعلم ما في الرّحِم فهو كافر فإن لم يجزم وقال: إن النَّوْء ينزل الله به الماء عادة، وأنه سبب الماء عادة، وأنه سبب الماء على ما قدّره وسبق في علمه لم يكفر إلا أنه يستحب له ألا يتكلم به، فإن فيه تشبيها بكلمة أهل الكفر، وجهلا بلطيف حكمته لأنه ينزل متى شاء، مرّة بنَوْء كذا، ومرّة دون النَّوْء قال الله تعالى:

السابقالتالي
2 3